القصة الكاملة لنهب المتمردين ل(120) رأساً من إبل (المعاليا) استهداف الطريق القومي والتهجير القسري للسكان سياسة معلنة جنوب كردفان -يوسف عبد المنان انطلقت بسيارة كورية ماركة (كليك) من مدينة "الأبيض" صوب جنوب كردفان.. شاهدت مولانا "أحمد هارون" عبر نافذة الطائرة يستقبل ضيفاً كبيراً كان يجلس على المقاعد الوثيرة في الأمام، ملامح الضيف تشير إلى الأستاذة "رجاء حسن خليفة" ود."الأغبش".. أخذوا طريقهم لصالة كبار الزوار، وأخذت طريقي لجنوب كردفان، ولكني قلت في جهري حليل أيام "هارون" في جبال النوبة و(الله يجازي) الذين (أبعدوه) وضعنا من بعده بين المهندس والجنرال الذي يعيش الآن في متاهة كما يقول "جبرائيل غارسيا ماركيز" ومواطنو ولايته يعيشون حباً ولكن في زمن الكوليرا.. موتاً ولكنه معلن.. ومائة شهر من الحرب ولا أمل في الأفق يلوح بانقشاع العتمة.. تهب رياح الصيف وتخنق مدينة الأبيض بالغبار، وقد تصحرت الأرض ويبست أشجار الهجليج وحتى نبات العشر ذبلت أوراقه وهو من النباتات الضارة بصحة الحيوان.. جبل أبو شديرة وخور السكيران الذي تنحدر مياهه من جبال غرب أبو حراز.. الشارع خالٍ من السيارات.. والمقاهي الصغيرة المتناثرة على جانبي الطريق هجرها الرواد وحتى "كاذقيل" أشهر مناطق إنتاج الجبنة في السودان أيام الخواجة أو الإغريقي "منوتي" أصبحت تلك المنطقة خالية من رواد مقاهٍ كانوا يمتعون أنفسهم بشاي بنات كاذقيل.. ثم إلى الجنوب من تلك المحطة الهامة سابقاً تطل الأبنية التي تغمرها الرمال.. ثم تتهاوى السيارة الصغيرة بين الحفر والخيران حتى وادي شوشاي الذي كان عائقاً طبيعياً بين غرب السودان ووسطه قبل إقامة جسر (شوشاي). وعلى تخوم حدود ولايتي شمال وجنوب كردفان هناك لافتة كبيرة تقول مرحباً بكم في جنوب كردفان، لكن اللافتة تهاوت للسقوط ربما تضامناً مع الولاية ومؤازرة لها وتماثلاً مع حالها. عند الوصول للحمادي وهي أعرق المناطق التي افتتحت بها مدرسة أولية.. وكانت الحمادي هي مقر رئاسة عموم الحوازمة قبل أن يتفرق دم القبيلة ووحدتها بين ثلاث نظارات، ثم خمس وأخيراً ست نظارات صغيرة.. وقد حظيت الحمادي بمشروع للمياه ضمن مشروعات صندوق دعم السلام أو صندوق "بثينة" كما يقول الأهالي، تعبيراً عن سيطرة الوزيرة على مفاصله وتسييره وفق رؤيتها!! في "الدبيبات" المحلية كان المعتمد "المكي إسماعيل" يستقبل المهندس "علي دقاش" وزير الزراعة الذي بدأ حريصاً جداً على تفقده المنطقة التي هاجمتها قوات الحركة الشعبية مساء (الأربعاء)، وعلى الأقل المسح على دموع المواطنين بمناديل من ورق.. وحكومة الولاية لا خيل عندها تهديها ولا مال. الحميضاية والتهجير القسري منذ اندلاع الحرب مجدداً في 6/6/2011م، اتخذت الحركة الشعبية منهجين في التعامل مع المواطنين بتهجير بعضهم قسراً.. وباحتضان آخرين قسراً أيضاً.. وما بين التهجير القسري الذي كان ينبغي إثارته في وجه الحركة الشعبية في المحافل الدولية وخاصة في مجلس حقوق الإنسان، وبين احتضان المواطنين قسراً وجعلهم دروعاً بشرية يصدون عن جيش الحركة الهجمات التي تقوم بها القوات الحكومية. وفي المنطقة الواقعة شمال غرب الدلنج.. من الصبي والمفدل والفراقل تتمدد الحركة شمالاً حتى تخوم محليتي أبو زبد والسنوط بولاية غرب كردفان. تسرح قوات الحركة وتمرح وتمول قواتها في الجبال من خلال هجمات تقوم بها على مناطق الدبكر والفرشاية والطريق القومي الرابط بين الخرطوم والفولة.. ولم تتعرض معسكرات الحركة الشعبية في تلك المنطقة لهجوم منذ فترة الانتخابات العام الماضي، حينما بسطت قوات الاستطلاع القادمة من دارفور بقيادة الشهيد العقيد "إبراهيم الشريف" سيطرتها على المنطقة وطردت النهابين والحرامية وفرضت هيبة الدولة.. ولو بقيت قوات الاستطلاع في محلية القوز حتى اليوم لقضت على التمرد في الجبال الغربية.. في كل يوم يهاجم المتمردون الأسواق والقرى ولا يقتربون من معسكرات القوات المسلحة.. ويتخذون من الطريق القومي (مخزناً) للإمداد.. وفي يوم (الأربعاء) الماضي حوالي الساعة الخامسة عصراً هاجمت ثماني عربات لاندكروزر قطعان إبل قبيلة (المعاليا) الذين يرعون في منطقة خصبة حيث تنحدر المياه من الجبال الغربية للدلنج نحو (تردة) أبو زبد. وتعتبر مناطق (حميضاية) و(سوق رابحة) و(أيك) و(أم عشوش) و(الفرشاية) و(خروباية) من المناطق الغنية بالمراعي والزراعة وتقطنها مجموعات سكانية عديدة، البديرية الدهمشية والحوازمة والمعاليا والشنابلة وكنانة وبرقو والمسيرية الزرق (عنينات) و(درهميات) و(عزايا) وهم أفخاذ من بطن المسيرية الزرق.. عند الهجوم على قطعان (المعاليا).. كان الراعي "موسى بليلة" (17) سنة "يرعى إبله" ولا يملك من السلاح إلا بندقية كلاشنكوف ومعه الراعي "عبد الله" (15) سنة. رفض الراعيان التنازل عن (إبلهما) والمتمردون يتجهون بها نحو معسكرهم الذي يبعد عن الشارع الإسفلتي (3) كلم مترات فقط.. لم يقتل المتمردون الراعيين.. ولكن الكثرة غلبت الشجاعة.. عند الاقتراب من المعسكر وجه أحد المتمردين بقتل الشابين ولكن المتمرد الذي وجه بقتلهما لم يفعل.. ويقول الراعي "موسى" كانوا عدداً كبيراً بعضهم من سحناتهم نوبة والبعض من دارفور وآخرون من العرب.. رفضت التنازل عن سلاحي.. وتركوني بعد مغيب الشمس.. وظللت في تلك المنطقة أنظر للإبل وهي (تنوح) كأنها ترفض السير معهم.. مائة وعشرون رأساً من الإبل هي كل ما يملكه والدي ذهبت للمتمردين.. ويروي قيادات (المعاليا) ما حدث بالقول إنهم كانوا في السوق.. عندما جاءت الأخبار بسرقة الإبل واختطاف الرعاة تجمهرت أعداد كبيرة من الشباب وحتى النساء حملن السلاح من أجل استرداد الإبل التي نهبت.. تعقب الفزع من الأهالي، ولكن حلول الظلام وهطول الأمطار مصحوبة بالرياح الشديدة والغبار والأتربة قد حجب عنا طريق الوصول إلى الإبل التي دخلت عمق الجبال. { دموع ووعد بالحسم حينما روى الشاب "موسى" قصة الهجوم عليه من قبل المتمردين وتمسكه بسلاحه ومواجهة ثماني عربات لاندكروزر لم يتزحزح أو يهاب الموت الذي أقبل عليه، انحدرت دمعة من خد الوزير "علي أحمد دقاش" الذي تحدث والعبرة تخنق الكلمات. ومئات الشباب الذين كانوا عائدين لتوهم من الفزع على ظهور الجمال والخيل وعربات اللاندكروزر قد أنهكهم السير.. وأعدت النساء اللاتي على وجوههن حسرة وغضب مشروباً من الدخن مع إضافة قليل من السكر والعرديب.. قال الوزير "دقاش" إن ما يحدث هو استهداف من المتمردين للأهالي بغرض إجبارهم على النزوح وإفقارهم بنهب الثروة الحيوانية التي بيدهم لإطعام المتمردين الآخرين في الجبال الغربية والشرقية. وتعهد "دقاش" بحماية المواطنين من هجمات التمرد.. وتقديم الدعم للمجاهدين الذين لا يطالبون إلا بالذخائر والأسلحة، فيما تحدث "المكي إسماعيل" معتمد القوز، وقال إن (المعاليا) عرفوا بالشجاعة والبسالة.. ومساندة الدولة.. والوقوف في وجه التمرد.. لذلك يتعرضون لاستهداف من التمرد بنهب ثروتهم ومحاولة إجبارهم على مغادرة تلك المنطقة. وأشادت قيادات (المعاليا) الذين تجمعوا عفوياً في إحدى الفرقان بموقف معتمد القوز وممثل والي جنوب كردفان المهندس "علي أحمد دقاش" وزير الزراعة، وهم يعيدون للأذهان مجاهدات اندثرت ومواقف طواها النسيان وما عادت القيادات اليوم تملك روحاً وهمة تجعلها تقف مع المواطنين حيث جراحاتهم وتطوف على خطوط النار ومناطق القتال، كما كان يفعل مولانا "أحمد هارون" والشهيد "إبراهيم شمس الدين". كانت القيادة السياسية التنفيذية في سنوات "أحمد هارون" تطير بالهيلكوبتر لحظة دخول القوات المسلحة لأية منطقة، لا تبالي بالتحذيرات الأمنية ولا الخوف من الموت. ذلك ما أعاد سيرته وزير الزراعة "علي دقاش" و"المكي إسماعيل قادم" وهما يزوران منطقة حميضاية حتى دون ترتيبات أمنية كما يقتضي الحال. عندما أخذت شمس نهار (الخميس) في المغيب غادرنا مضارب عرب (المعاليا) الذين رغم الجراح وفقدان قطعان الإبل، أقسموا أن يذبحوا الخراف والنعاج إكراماً لوصول الوفد الحكومي لتلك المنطقة النائية. مشاهد وصور من أرض المعركة في الطريق لمنطقة حميضاية كانت قطعان الإبل تمرح على جانبي الطريق.. تبحث عن العشب وأوراق الشجر الذي يخضر في مثل هذه الأيام، وتتعرض مناطق القوز لتصحر ونفوق في الثروة الحيوانية، حيث ضاقت الأرض وتقلصت مساحات الرعي بسبب سيطرة التمرد على الجبال الغربية. ظل الأستاذ "ياسر مختار" مدير العلاقات العامة بمكتب والي جنوب كردفان يرشد السائقين للطرق، لخبرته في تلك المنطقة ومعرفته بالرهود والخيران والقرى.. والأودية. سألني أحد الرعاة عن موقف الدولة وأحد مواطنيها كان يدفع الضرائب والزكاة.. وقد بات فقيراً لا يملك قوت يومه بعد نهب التمرد لكل ثروته التي بيده، فقلت له أولويات وزارة الرعاية الاجتماعية الآن الاحتفال بيوم اليتيم في كسلا وليس احتفاءً ببسمة على وجوه أحزنها تقاعس الحكومة عن واجبها في حماية الرعاة من هجوم التمرد. لن تتوقف هجمات التمرد من المنطقة إلا إذا تم طرد التمرد من الصبي والمندل.. وحجمت قدراته.. وطموحاته وتمدده كل يوم شمالاً.