لا أذكر كيف ومتى حصلت على أول عدد من مجلة شعر؟ هذا الإصدار كان يتم طبخه في القاهرة وهو يعنى بإبداعات الشعراء في الوطن العربي من الماء إلى الماء، ما أذكره أن العدد لحسن حظي كان دسماً حد التخمة وحافلاً بنصوص ل"بدر شاكر السياب" "وبلند الحيدري" و"نازك الملائكة" و"محمود حسن إسماعيل" و"صلاح عبد الصبور"، ومن السودانيين كان هناك نص للراحل "محمد عبد الحي" وثمة شخص آخر يدعى "عثمان عبد السيد"، هذا الأخير لم أسمع به بعد ذلك في ديمومة المشهد الثقافي في السودان. فاتحة المجلة كانت مزدانة برائعة "بدر شاكر السياب" (أنشودة المطر )، ولأن ذاكرتي كانت في تلك الأيام صافية وغير مصابة بدخان الغربة والمطر وضجيج المدن الهرمة والمدن (الشقية) وربما عشق النساء، فقد حفظت عن ظهر قلب جميع النصوص الواردة على متن ذلك الإصدار، ولا أنكر تعلقي بنص أنشودة المطر للسياب حتى تاريخه، بعد مجلة شعر بدأت استقبل مجلة الأديب البيروتية تباعا ً وقرأت في أحد أعدادها رائعة "أمل دنقل" (العرافة المقدسة) والتي كانت بمثابة نعي لجراح الأمة وسخرية من خيباتها. بعد ذلك الزخم من المجلات في الزمن الجميل سكتت المطابع عن تحميص خبز الثقافة وما أدراك ما الثقافة، في عصر المعلوماتية ومحركات البحث فائقة النكهة لم تعد المجلات المتخصصة تستهوي الباحثين عن الغذاء الروحي، أسمعوني، في السنين الخوالي سادت عبارة (القاهرة تكتب وبيروت تطبع والخرطوم تقرأ)، الآن "القاهرة" شبه عقيمة من الفعل الإبداعي و"بيروت" تعيش في زمان احتضار السياسة وصراعات الساسة، أما صاحبتنا "الخرطوم" فكان الله في عونها لم تعد تدمن القراءة ولا يحزنون، بل أصبحت تعيش في عمليات البحث عن القوت اليومي ورائحة القنابل المسيلة للدموع (عينيا ما تبكي)، الظاهر أن ثقافة الموبايل حلت بدلاً عن تثقيف العقول ، فثقافة الموبايل ليست حكراً على السودان، فالوطن العربي من الأزرق إلى الأزرق أصبح ينبض بثقافة الموبايل، إنه زمن ثقافة البطون والموبايل زمن قاسٍ وزمن أغبر. ملحوظه على فكرة أقول.. أشوف مفتاح ضائع في ذيل القائمة في النسخة الإلكترونية ههههه هاهاها يبدو أنه سيظل ضائعاً ما علينا مشي حالك.