قناعتي الخاصة .. أن قفل باب التفاوض مع أي جهة تنادي بقضايا وطنية .. وتطرح وجهة نظر تتعلق بمسارات الوطن وواقعه ومستقبله .. يعني فتح الباب على مصراعيه للفتن والاحتراب المسلح . وقناعتي أن من شطط الرأي، أن تعتقد جهة ما .. أنها تملك وحدها الرأي الأكمل، والقدرة الأمثل .. والرؤية الأصح لحل قضايا السودان، والسبب ببساطة .. أن المجتمع المستنسخ من قناعة واحدة ليس موجودا على ظهر الأرض، وأن اختلاف الرأي وتنوع الرؤى هو واقع في كل الدنيا .. اللهم إلا إن أردنا القول إننا لسنا من هذه الدنيا ! والحوار لا يكون فقط في القضايا الكبيرة، بل من الواجب أن يكون ابتداء في القضايا الصغيرة .. لأن القضايا الكبيرة كلها .. تكون في البدء صغيرة، ولو عولجت فيصغرها .. لما كبرت وأصبحت وبالا على الأوطان والشعوب . وفي السودان .. لدينا الآن تجربة في التسويف والتأخير .. تجعلنا أنموذجا في هذا المجال، وأظننا لو تعاملنا مع مشكلات دارفور منذ سنوات على أنها قضايا تستحق التفاهم والحوار .. لما وصل الحال الآن إلى ما وصل إليه، ولحفظنا الكثير من الدماء التي نزفت، والأموال التي أهدرت .. ونحن في غيبوبة أن كل المشكلة هي (نهب مسلح) .. لا أكثر ! إن صعوبات مثل انقطاع المياه، أو شح الكهرباء، أو أزمات المواصلات، يمكن أن تتحول فجأة إلى مشكلة كبيرة، سواء بتجاهلها، أو التعامل معها بخطاب سياسي من شاكلة أن مثيري المشكلة (مندسون) أو من أصحاب الأجندة .. أو ينفذون مؤامرة يحيكها أعداء الوطن !! في رأيي .. أن الحكمة في التعامل مع أحداث نيالا .. كانت غائبة تماما، حيث كان التظاهر والتحرك في الشارع نتاجا لمشاكل حقيقية في المواصلات والوقود، ولولا تلك المشكلات لما حدثت حالة التصعيد .. بما أدت له من آلام لا نريدها لأي سوداني . المسؤولون دائما لهم مبرراتهم، وهم قادرون على إرجاع المشكلات إلى أسبابها .. لكنهم، بكل أسف، لا يتوقفون عند تلك الأسباب وقت كانت صغيرة، ولا يعترفون بأنهم ناموا عن (مستصغر الشرر) حتى كبر وأضحى نارا ! الاحتقان في الشارع أمر واقع لا يجب إنكاره، والظروف الموضوعية التي قد تجعل الناس يسكتون على آلامهم لا يجب تفسيرها تفسيرا خاطئا، فالمعاناة مستمرة، ولا يجب أن يأمن أحد انفجار الصابرين، والذي قد يجد متنفسه في أي حدث .. أبتداء من أي مناسبة احتفالية .. مرورا بأي أزمة عابرة في الكهرباء أو الماء، وانتهاء بمناسبة غير ذات صلة ببؤر المعاناة .. مثل مباراة كرة قدم ! احتواء البؤر الصغيرة مهمة يجب الالتفات الجاد إليها، فتوفر المواصلات، وانتشار أماكن البيع المخفض، ومحاربة الندرة وخصوصا في السلع المهمة كالأدوية، وعدم التهاون في إمدادات النفط بأنواعه في منافذ البيع، والسيطرة على إمدادات الغاز المستعمل في الطبخ .. هي جزء من الوصفة التي تمنع الانفجار. لكن قبل ذلك .. يجب الحرص على الحوار .. حتى مع أشد الخصوم .. فالوطن ليس ضيعة لأحد .. والهم الوطني شأن لا يجب إقصاء سوداني منه .. تحت أي ذريعة من الذرائع.