يوميات سائق ركشة (1) عداوة الكلاب وشقاوة الأطفال وفنون الجنون المجهر – خالد الفاضل على الرغم من الرهق والمعاناة التي يعيشها سائقو الركشات (الجوكية) كما يطلق عليهم، إلا أن يومياتهم لا تخلو من الأحداث والمواقف المتنوعة التي تقابلهم خلال تجوالهم بين الأحياء والطرقات، ومن بينها طرائف ومقالب وأحداث مضحكة وبينها أيضاً المواقف الحزينة التي تجعل العين تدمع.. في هذه المساحة جلسنا مع "الفاتح حسين" وهو من قدامى سائقي الركشات بأم درمان ليحكي لنا بعض المواقف التي صادفته خلال رحلة عمله الطويلة في عالم الركشات. { الجنون فنون شرع "الفاتح" في حكي المواقف قائلاً: (سأبدأ لكم بأغرب وأطرف موقف مر بي ولن أنساه أبداً، حيث كنت ماراً في إحدى الأمسيات بشارع الهجرة أم درمان واستوقفني رجل في العقد الخامس من العمر هيئته وهندامه يدلان على أنه رجل ميسور، توقفت، فصعد بدون كلام، وجلس، سألته: إلى أين؟ فقال لي بصوت خافت: الثورة الرابعة، فانطلقت ممنياً نفسي بأجرة محترمة ولكني فوجئت بأن الرجل يتحدث مع نفسه وهو يحرك يديه بطريقة تدل على أنه مختل عقلياً ولم أدر حينها ماذا أفعل هل أقف وأنزله.. أم أواصل المشوار.. وأخيراً اخترت مواصلة المشوار وعندما وصلت إلى الحارة الرابعة وقفت فنزل الرجل وذهب دون أن يعطيني أجري ودون أن يلتفت إليّ حتى). { الكلاب والركشات ويواصل "الفاتح" حديثه عن واحد من المواقف المضحكة، وقال: (طبعاً للكلاب عداء شديد مع الركشات ونادراً ما تمر بشارع فيه كلب ولا يطارد الركشة وينبح بشراسة).. قاطعته ضاحكاً: (ولكن ما سر هذه العداوة؟) فابتسم ثم أجاب: (والله لا يوجد سبب واضح لهذه العداوة، لكن في ظني أن صوت عادم الركشة المزعج هو السبب)، ويحكي عن أحد مواقفه مع الكلاب: في إحدى الأمسيات كنت أحمل امرأة في مشوار داخل حي ود نوباوي وصادفني كلب ضخم بأحد الأزقة وما أن اقتربت منه حتى انطلق خلف "الركشة"، ولسوء حظ المرأة صاحبة المشوار كان طرف ثوبها خارج الركشة فأمسك الكلب طرف الثوب بين أنيابه ما أثار ذعر المرأة وأصيبت بنوبة هستيرية من الصراخ والبكاء وقد أخذت من وقتي الكثير لتهدئتها. { موقف حزين وعن المواقف المحزنة والمؤلمة حكا "الفاتح" قصة موقف حزين حيث قال: (في وقت متأخر من الليل كنت ماراً بالقرب من مستشفى أم درمان ولاحظت شاباً في مقتبل العمر يساعد أمه التي بدت عليها آثار الهزال الشديد على عبور الشارع.. فكرت في أنهما ربما يحتاجان لمشوار فاقتربت منهما وسألت الشاب إن كان يريدني أن أقلهما فأجابني وقد بدا مرتبكاً بأنهما لا يحتاجان لركشة، توقفت على جانب الطريق وقد خمنت بيني وبين نفسي أن الشاب لا يملك ثمن أجرة الركشة لأن والدته في حالة سيئة، فعدت إليه مرة أخرى ورجوته أن يسمح لي بتوصيلهما إلى منزلهما دون أجرة، فوافق بعد تردد وفعلاً أوصلتهما حتى باب منزلهما، وعندما هممت بالمغادرة اقترب مني الشاب وشكرني وفوجئت بالدموع تملأ وجهه.. وقد هزني هذا الموقف جداً. { شقاوة "معاذ" وختم "الفاتح" مواقفه على الطريق، بسرد موقف مع الأطفال، وقال: (لديّ ابن أخت شقي جداً عمره لم يتجاوز التسعة أعوام، وفي إحدى زياراتي لهم تركت المفتاح داخل الركشة وانشغلت بالحديث مع أختي- والدته- ففاجأني ابنها الأصغر بأن "معاذ ساق الركشة"، فانطلقت مسرعاً لكن بعد فوات الأوان، ولم أجد "معاذ" ولا الركشة، وهرولت بين الطرقات باحثاً عنه لأجدها أخيراً محشورة في فرندة إحدى البقالات.. والحمد لله "معاذ" لم يصب بأذى، ولكني اضطررت لتعويض صاحب البقالة عن الأضرار التي سببها له).