في طفولتي الباكرة جربت طعم الجراد، جراد مشوي ومغلي بالزيت، الآن أخاف من الجراد وأهرب بجلدي إذا طارت واحدة فوق رأسي (شوفوا الزول ده عامل خلاااااص متحضر)، المهم في معظم البلدان يعدّ الجراد بلاء من الدرجة الأولى، وسرب الجراد الواحد في العادة حينما يهجم يكون بالملايين، وأخطر أنواعه الجراد الصحراوي وهو أكول ولا يشبع، وتتوالد هذه الفصيلة في غربي أفريقيا وتنتشر مثل النار في الهشيم، وتصل أسرابه إلى السودان ومنه إلى الجزيرة العربية.. اسمعوني، ثقافة التهام الجراد ليست وقفاً على شعب بعينه، حتى في أمريكا الجنوبية يتلذذون بالجراد ويلتهمونه مثل الكابوريا.. في الشمال الأقصى من السودان ما عاد أحد يلتهم الجراد حتى وإن كانت جرادة سمينة مثل جرادة العشر.. بالمناسبة جراد العشر هذا من أسوأ أنواع الجراد، وهو يستخدم طعماً لاصطياد الأسماك.. ما علينا في اليمن يحب أخوتنا هناك الجراد، و يقال إن سعر الكيلو منه يباع ب(1500) ريال أي ما يعادل (8) دولارات بالتمام والكمال. الشيء الغريب أن الجراد في هذا البلد أغلى من اللحوم البيضاء، عادة أكل الجراد في اليمن قديمة وتعود لمئات السنين، ويأكل أخوتنا اليمنيون الجراد إما مغلياً بالماء والملح أو مشوياً أو تركه يجف تحت أشعة الشمس، وهذه الطريقة الأخيرة تعتبر المفضلة لمحبي هذه الوجبة الفاخرة. في اليمن وبعض بلدان الجزيرة العربية يعتقدون أن الجراد علاج للكثير من الأمراض مثل السكري، لكن الأطباء يؤكدون أن الجراد ليست له علاقة بالشفاء من هذا المرض، ولا يختلف الأمر في المكسيك، إذ ينافس الجراد الهامبورغر الأمريكي في المطاعم، ويعدّ أكل الجراد الممزوج بالشطة الحارة وجبة شعبية رائجة، ومن أغرب الأشياء أن طالبين من جامعة بيوبيلا في المكسيك قاما بإنشاء مزرعة لتزويد المطبخ المكسيكي بالجراد السمين.. عموما العبد لله من محبي المطعم المكسيكي، وخاصة (الفاهيتا) اللذيذة بالدجاج أو شرائح اللحم، ومن الآن فصاعداً سوف أقطع علاقتي ب(الفاهيتا) خوفاً من أن تكون محشوة بالجراد.. ولأن الجراد يزورنا (في السنة مرة ولا ينسانا بالمرة) تعالوا نفكر في كيفية استثمار هذا البلاء وتصديره إلى المكسيك واليمن وبقية البلدان التي تفضل التهامه.. في الماضي أيام فورة القومية العربية كانت مقولة (السودان سلة غذاء العالم العربي) رائجة وتفرد عضلاتها للغاشي والماشي، الآن لم يعد هناك وجود لهذا الشعار لأنه (شالو الجراد وطار).