لم يعد صويحبكم بحاجة للشكوى من أسعار (الضأن)، فقد انصرف الناس عن لحمها الشهي، ولم يعد أحد مهتما بالأخبار التي تقول إن الكيلو قد بلغ خمسين جنيها ! المشكلة أن الناس بحاجة للبروتين الحيواني، ولا بد لهم، بعد فترات الانقطاع الطويلة، أن يتيحوا لأنفسهم بعض الفرصة لأكل اللحم، وليس أمامهم من أمل سوى الاكتفاء من وقت لآخر بلحوم (العجالي) . لكن المصيبة أن لحوم العجالي مدت لسانها هي الأخرى لخاطبي ودّها، فقد دانت لها السيطرة المكانية على الجزارات، ليطير كيلو العجالي إلى فوق الثلاثين جنيها، بل إن الكيلو النظيف الخالي من العظم .. يبلغ سعره الآن خمسة وأربعين جنيها أو أكثر، حسب موقع الجزارة !! الواضح أن الخيار أمام الناس هو (الامتناع) .. أو .. (الامتناع)، فكل الحلول المتاحة هي عدم الاقتراب من اللحوم، على أمل أن يكون هناك تعويض عن طريق البروتين النباتي، فضلا عن أن (العوازيم)، ربما تتيح من وقت لآخر فرصة أكل اللحم العزيز اللذيذ النادر، في بلد يتطلع العالم لثروته الحيوانية التي ستقي الدنيا من الجوع .. إذا خيمت أشباحه على الكرة الأرضية ! بصراحة .. خطر ببالي خيار (ماري انطوانيت) ، وهو لجوء الناس للجاتوه في حال اختفاء الخبز(!)، فما بال الناس لا يلجؤون للساردين والتونة الشهية، ولماذا لا يجعلون من لحم الدجاج بديلا للحوم الضأن والعجالي ؟! طبعا لم أجرؤ على طرح السؤال، فهو فكرة مسجونة في الخيال، ولا تتدحرج إلى اللسان أبدا، فصويحبكم حريص على الظهور بكامل قواه العقلية، في زمن أصبح فيه الناس نهبا للضغوط التي طارت لها الأمخاخ .. وصار الكل يحدثون أنفسهم بالصوت العالي، في الشوارع ووسائل المواصلات ! لكن المفارقات تجبرنا أحيانا على طرح الملاحظات، فقد اشترى البعض، ربما بالمصادفة، كيلو الدجاج بخمسة عشر جنيها في رمضان، وكان ذلك في بعض المراكز المتنقلة للبيع المخفض، وهي مراكز تمر سريعا على بعض المرافق، وتغادر قبل أن يصل الخبر لمعظم من يهمهم الأمر !! الدجاج أبو 15 جنيها، والذي حظي به بعض من ساعدهم الحظ، كان يباع في أسواق الخرطوم الأخرى، وما يزال، بخمسة وعشرين جنيها للكيلو، وكيلو الدجاج رغم فداحة سعره .. لا يكفي الأسرة إلا لوجبة واحدة مدعومة بخيارات أخرى، في حين أن كيلو العجالي، إذا أمكن الحصول عليه، قد يكفي لعدة طبخات، تعين ميزانية الأسرة لعدد من الأيام. بتلك الوقائع السعرية.. يصبح المواطن محروما بالكامل من خيار اللحوم، لا دجاج، ولا لحوم حمراء، ولا يحزنون، خصوصا وأن سعر الخروف الحي قد تجاوز الآن الألف جنيه، كما أن بعض التوقعات تقول إن سعر الأضحية سيكون في حدود ال (2000) جنيه ! الحصار المعيشي لم يقتصر طبعا على اللحوم، فميزانية الأسرة باتت نهبا لكل الأسعار (الحرة) في بطشها، بدءا من زيت الطعام، مرورا بالألبان، وانتهاء بالسكر، والذي لن يجد الناس بدا من حسمه، والامتناع الكامل عنه هم وأطفالهم .. حيث لا خيار آخر يبدو في الأفق ! هل أكتفي بذلك .. أم أحدثكم عن الأدوية، والدولار وعودته للطيران ؟ تهمني صحة قلوبكم، ولذلك .. لن أزيد !