الناس من تلقاء نفسها .. توقفت عن اللحوم الحمراء والبيضاء والبيض .. وحبيبنا الأحمر .. الطماطم ! بل ان الناس توقفت عن أشياء كثيرة أخرى، ليصبح (الأهم) هو محل الاهتمام، أما (المهم) وما دونه فلم يعد لهما وجود في ميزانية الأسرة . أقول هذا .. حتى لا تتعب جمعية حماية المستهلك نفسها، وتغرقنا في فرقعة إعلامية، تتولاها أجهزة حكومية، بمقاطعة اللحوم الحمراء والبيضاء والطماطم والبيض ! النازلة السعرية أكبر بكثير مما تعمل عليه الجمعية، ورقعة الغلاء اتسعت فلا قبل للجمعية ولا للحكومة نفسها بعلاج الأمر .. إلا بعلاج جذوره . سعي الجمعية لمقاطعة بعض السلع، يذكرني بحملتها الشهيرة في سبتمبر الماضي، أي قبل عشرة أشهر، حين قادت حملة مصحوبة بإعلام كثيف، لمقاطعة اللحوم، بعد أن بلغ سعر الكيلو العجالي في ذلك الزمن (الجميل) 24 جنيها، وكيلو الضأن 32 جنيها !! الحملة أسفرت في أيامها الأولى عن انخفاض العجالي ليصبح في حدود 18 جنيها، وانخفض كيلو الضان لحدود 28 جنيها، وهي أرقام لم تكن على أي حال في متناول الناس العاديين أبدا .. لكن الأمر حدث . الجزارون قالوا وقتها إن الحملة خفضت سعر اللحوم .. لكنها أوقعت الظلم بهم، والسبب أن الانخفاض أحاق بهم خسارة كبيرة، وأن الأسعار التي تورطوا في البيع بها، هي أسعار (كسر)، وخسارة، لأن الحل الآخر هو أن تتلف اللحوم المعلقة في محلاتهم بسبب عدم الشراء !! رأي الجزارين لم يستمع له أحد، رغم أن الأيام أثبتت سلامته، فالآفة لم تكن في اسعارهم، ولكن في سوق منفلت بسبب ضوائق اقتصادية كبيرة، وفي (دولار) لم تستطع السلطات لجم جموحه، وفي غياب ثقافة الأولويات في الصرف الحكومي، وفي احتقانات اقتصادية تفعل أفاعيلها في مختلف مناحي الحياة . لم يمر يوم أو يومان على حملة حماية المستهلك قبل عشرة أشهر، حتى عادت الأمور إلى مستقرها .. ورجع كيلو الضان لل 32 جنيها، وكيلو العجالي لل 24 جنيها .. لتبدأ رحلة صعود متصل .. ليصل سعر الكيلو الآن إلى فوق ال 43 جنيها للضأن، وفوق ال 30 جنيها لكيلو العجالي النظيف ! ماذا ستفعل أي حملة .. لمقاطعة اللحوم حمراء وبيضاء، ومقاطعة الطماطم والبيض ؟ هل ستعيد لنا أسعار ما قبل عشرة أشهر ؟ قطعا هي لن تعيد الاسعار لحالها في ذلك الوقت، لكن الذي سيحدث هو أن يزيد كساد هذه السلع التي قاطعها الناس جبرا، دون أن تحرضهم جمعية حماية المستهلك، ودون أن يقتنع أحد بالمقاطعة كوسيلة للضغط، لأن الناس الآن يقاطعون بسبب شلل قدرتهم الشرائية، وليس لأي سبب آخر ! هل ستسفر أي حملة في تخفيض كيلو اللحم جنيها أو جنيهين أو ثلاثة جنيهات ؟ حتى هذا التخفيض لو حدث، فلن يقدم أو يؤخر، والسبب ببساطة .. أن الأسعار بعيدة بعد السماء عن الأرض عن إمكانات الناس الشرائية ! قطار الأسعار فقد السيطرة، وما يجري في السوق لن تفيده حقن التخدير، والآفة هي في اقتصادنا الكلي، وأي علاج يتم بعيدا عن مكمن الداء .. مضيعة للوقت .. وضحك على الذقون . سعيكم مشكور .. يا حماية المستهلك !