كلما مر يوم، ستصبح مهام المحررين بأقسام الأخبار في الصحف الورقية .. أكثر صعوبة ! السبب ليس فقط أن المصادر تبخل بأخبارها، أو أن الأخبار ستتقلص بسبب انشغال الناس بأوجاعهم وهمومهم الخاصة، لكن السبب هو أن أي خبر، لن يصبر لتنقله الصحف الورقية صباح كل يوم، بل سيطير ويتنقل بين التلفزة، والصحافة الألكترونية، ورسائل الموبايل .. فلا يصبح الصباح إلا ويكون قد أصبح بائتا بلا روح ! الأمر لن يحدث فقط في المستقبل، لكنه بدأ الآن بالفعل، وكم من أخبار باتت باردة في الصحف، ولم يصبح لها أهمية إلا التوثيق، والأمثلة تتعدد، ليصبح الدور الصحفي الأهم، هو المتابعة، والتحليل، وإجراء الحوارات واللقاءات، والنبش في الزوايا التي تتبقى مما أكلته آلات الإعلام الأخرى ! على أي حال، فإن صحفيي الأخبار في الصحف اليومية لن يموتوا جوعا، فهم أيضا شريان رئيس في الأخبار التي تتناقلها وسائل التقنية الحديثة، وهم يملكون بحسهم العالي وقدراتهم على صياغة الأخبار ما لا يملكه غيرهم، وبذلك فإن المواقع الألكترونية لصحفهم .. ستستقطب الكثير من جهدهم في مستقبل الأيام . لكن بعض الأخبار تبقى جاذبة، حتى لو تداولتها العديد من المواقع التقنية السريعة، وحين يتم نشرها .. لا تفقد ألقها . ومن تلك الأخبار، ما تناقلته وسائل الإعلام نقلا عن صحيفة الديلي تلغراف البريطانية، حيث أشارت الصحيفة إلى خبر عجيب غريب، وهو إنقاذ بقرة علقت في أعلى شجرة ! طبعا، البقر لا يتسلق الشجر، هذه معلومة بدهية، لكنها معلومة تتعلق ببقر (زمان)، وإلا كيف يمكن تفسير الخبر ؟ تعالوا إذن لنقرأ التفاصيل، فقد جاء في الخبر ان البقرة "سباركل"، التي تزن حوالي 300 كيلوغرام، وقعت في واد صغير في مزرعة ببلدة بنريث الإنكليزية، وعلقت في أعلى شجرة كانت أسفل الوادي ! الخبر أشار أيضا إلى ان رجال الدفاع المدني فوجئوا عندما تلقوا اتصالاً من فيليب أرمسترونغ الذي يطلب المساعدة في إنقاذ بقرته الغائبة، بعدما لاحظ انها ليست في المزرعة. البحث تمخض عن اكتشاف البقرة وهي عالقة في أعلى الشجرة، وتم مباشرة الإنقاذ لها على طريقة الخواجات التي يصاب فيها أهل العالم الثالث بالغيرة، وتطلب الإنقاذ 4 ساعات، وتم تخدير البقرة العزيزة لتغط في نوم عميق، قبل وضعها على أرجوحة ضخمة، وإنزالها إلى الأرض. أرمسترونغ صاحب البقرة قال إن بقرته لم تصب بأذى كبير، وكل ما خرجت به من سقوطها على رأس الشجرة هو بعض الكدمات البسيطة . لكن الأمر لم يكن سهلا على فريق الإنقاذ، فقد كانوا مرهقين بعد انتهاء العملية، ووصفوا ما حدث بأنه كان مثيرا للذهول ! أظن أن مثل هذا الخبر، لو بات، وأصبح قديما .. يظل جذابا، ولافتا لأنظار القارئ، وتستطيع الصحف أن تنشره في الغد دون حرج من تغطية الفضائيات والمواقع الألكترونية له مسبقا. وعلى العموم .. فإن كل التغطيات الخبرية لا تحدث بفعل الجن، لكنها تتم بواسطة صحفيين متميزين، ينتمون لأقسام الأخبار في الأجهزة التي يعملون بها، ويملكون الحس لما يمكن أن ينقلوه، لفتا لنظر القارئ، وكسرا لحاجز الرتابة والروتين في الأخبار المتكررة على مدار اليوم .