(1) بعض الارتياح تملكني وأنا أطالع (أمس) في (المجهر السياسي) تصريحات دكتور "نافع علي نافع" مساعد رئيس الجمهورية التي نفى فيها بصيغة قاطعة، أي لقاء يجمعه بكبير المتمردين "مالك عقار" في إثيوبيا.. حديث "نافع" يزيل الشكوك والمخاوف من أن المؤتمر الوطني وقع في حبائل (مسارات تفاوض متعددة).. تعزية "نافع" لأثيوبيا في وفاة رئيس الوزراء "ملس زيناوي" جاء في الإطار الحزبي، حيث قدم العزاء للجبهة الثورية الحاكمة باعتباره نائب رئيس المؤتمر الوطني.. إذن فإن ("مالك عقار" يلقاها عند الغافل، لقد اختار والي النيل الأزرق السابق الانحياز - وبشكل سافر - إلى أجندة الحركة الشعبية في دولة الجنوب.. "عقار" ارتكب أكبر خطأ في مسيرته السياسية وهو خطأ يصعب اصلاحه.. صحيح أن الرجل متقدم على غيره في الحركة في فهمه السياسي وهو سياسي (شاطر) لكن غلطة الشاطر بألف.. و"عقار" كذلك شخصية بالغة التعقيد وعصية الفهم، لكن الرجل متنازع ما بين عدة أمور، فهو مرتبط بدولة الجنوب عبر حبل سُّري يصله بالحركة الشعبية، وهو في نفس الوقت مرتبط جغرافيا وربما ثقافياً ووجدانياً بالشمال.. المخطط التآمري لما بعد الانفصال الذي تورط فيه "عقار" هو أن الحركة الشعبية تريد عبره فرض نفسها كشريك أكبر في الحكم وليس ذلك بما تملكه من جماهير ولكن بما تملكه من سلاح. (2) نتمنى أن يكون الاهتمام السوداني البالغ بأثيوبيا في محله ويأتي أكله فيتحقق الاستقرار في المنطقة.. أثيوبيا بمميزاتها الجيوسياسية مؤهلة تماماً للعب دور في التوسط بين الخرطوم وجوبا.. أثيوبيا، وهي الحليف القوي لواشنطن وأكبر متلق للمعونات الأمريكية في القارة الإفريقية، حاصلة على الضوء الأخضر من واشنطن للعب هذا الدور.. لكن السؤال إلى أي مدى يمكن للسودان أن يهضم مصالح أمريكيا الاستراتيجية في المنطقة؟.. واشنطن تريد (طرد) الصين من الملعب الإفريقي، لكن الأخطر أن واشنطن مازالت تريد إسقاط النظام في السودان الذي ظل يقدم تنازلات الكبيرة وموجعة لأكثر من عشر سنوات دون أن يقبض الجزر الأمريكي الذي لم يغادر مربع الوعود.. لا اتفاقية (نيفاشا) ولا (تسهيل) انفصال الجنوب ولا تسليم (الارهابيين) ولا.. ولا.. الكثير الذي لا نعلمه.. كل ذلك لم يجد فتيلاً مع أمريكا لا في عهد الرئيس الجمهوري (اليميني) "جورج بوش"، ولا في عهد الرئيس الديمقراطي الحالي "باراك أوباما". (3) سدنة النظام المصري السابق مازالوا يحاولون إبطال مفاعيل قرارات الرئيس "محمد مرسي" وإحراجه مع الآخرين.. سفيرنا في القاهرة "كمال حسن علي" قال وهو محبط أن قرار "مرسي" بإطلاق سراح السودانيين المعتقلين بمصر لم يتم تنفيذه حتى الآن!!.. "مرسي" الذي يحاول كنس آثار نظام "مبارك" كان قد قرر الإفراج عن (120) سودانياً، اعتقلتهم السلطات المصرية في السابق بحجة بورهم الحدود المصرية السودانية بحثاً عن الذهب.. سفيرنا أكد أن حكومة مصر حرصت على إبلاغ السفارة السودانية قبل أيام بقرار الرئيس "مرسي".. إذن، فالقرار لا رجعة فيه حتى أن الرئيس "البشير" أجرى حينها اتصالاً هاتفياً مع "مرسي" يشكره فيه على قراره.. لا يبدو أن طريق إقامة علاقات طبيعية بين السودان ومصر في عهد الرئيس المصري الجديد "محمد مرسي" سيكون مفروشاً بالورود.. إذ لا تكفي النوايا الحسنة ولا العاطفة الجياشة في عالم السياسة الدولية بالغ التعقيد.. لا يجب أن تدفع المشاكل العويصة التي تمسك بتلابيب السودان إلى نوع من الهرولة تجاه القاهرة؛ فمعرفة طريقة تفكير الرئيس "مرسي" وما يواجهه من متاريس سدنة النظام السابق في المخابرات ووزارة الخارجية أمر مهم لتأسيس علاقات قوية.. "مرسي" رغم إسلاميته كان قد بعث ببرقية شكر إلى نظيره الإسرائيلي "شيمون بيريز". واستقبلت إسرائيل تلك البرقية بترحيب كبير، حيث أكدت أنها بادرة أمل حول استمرار العلاقات بين القاهرة وتل أبيب كسابق عهدها خلال حكم الرئيس السابق "محمد حسني مبارك".. تصرف "مرسي" يشير إلى براغماتية ربما تشابه براغماتية رئيس وزراء تركيا "رجب طيب أوردغان". • آخر الكلام: الناس لا تعرف ماذا تحب، ولكنها تحب ما تعرفه.