نائب الرئيس : تحررنا من الاستعمار الاستيطاني لكننا مستعمرين بعادات وهمية وجهالات تقرير هبة محمود وسط أجواء مفعمة بالفرحة وممزوجة بأغنيات وطنية وعروض عسكرية، انطلقت في التاسعة من صباح أمس، من أمام تشريعي الخرطوم احتفالات البلاد بالذكرى الثانية والستين لإعلان الاستقلال من داخل البرلمان في ال(19) من العام 1959م، لترتسم بذلك صورة زاهية بمختلف أطياف الشعب السوداني الذي شكَّل حضوراً وتفاعلاً كبيراً جسَّده تدافع المواطنين لمكان الاحتفال ورقصهم على أنغام الفرق الموسيقية التي ملأت المكان. جاء الاحتفال الذي شرَّفه النائب الأول لرئيس الجمهورية "حسبو محمد عبد الرحمن" ووالي الخرطوم الفريق "عبد الرحيم محمد حسين"، تحت شعار "فلتدم أنت أيها الوطن" مكتسياً بحالة من الفرح اللاشعوري التي جعلت الضيوف من النساء والرجال والأطفال حضوراً في قاعة المجلس الرئيسة وجلوساً على مقاعد النواب، الذين ارتسمت علامات الرضا على محياهم دون ضجر، وهتافات التهليل والتكبير تملأ المكان، وفي الخاطر سنوات طويلة من الاستعمار الذي خصم من بلادنا وأبنائها ومواردها الكثير. بدأ نائب رئيس الجمهورية "حسبو محمد عبد الرحمن" حديثه محيياً الرعيل الأول الذي صنع الاستقلال قائلاً: التحية للزعيم "الأزهري" ولرئيس البرلمان "بابكر عوض الله" ول"دبكة" الذي قدَّم الاقتراع ول"مشاور جمعة سهل" الذي ثنَّى الاقتراع والتحية ل"محجوب" زعيم المعارضة ول"مبارك زروق" الذين ترفعوا وقتها عن حزبياتهم وقبلياتهم وجهوياتهم من أجل الوطن، وزاد: لابد من الترفُّع عن الصغائر ويجب أن تكون أجندتنا هي الوطن والعقيدة، وأن نترفَّع عن تلك التقسيمات التي أضعفت مجتمعنا لمدة (62) عاماً، يجب أن نكون أمة واحدة هدفها واحد وربها واحد وملتها واحدة). وأكد "حسبو" أن الذكرى الثانية والستون للاستقلال تستوجب منا الوقوف والمراجعة، ماذا فعلنا للاستقلال، ماذا حققنا للاستقلال، وما هو المطلوب منا لتحقيق الاستقلال الحقيقي، الذي وصفه بالاستقلال الفكري والثقافي والاقتصادي بجانب الاعتماد على النفس؟، لافتاً إلى وجوب الوقوف خلال هذه الذكرى تعظيماً وإجلالاً للوطن الشامخ وأهله الشرفاء واسترجاع تضحيات الشرفاء من أبناء الشعب الصامدة والتثمين على جهدهم والتوثيق للرعيل الأول الذين ضربوا أروع الأمثال وقدَّموا أعظم التضحيات من أجل هذا اليوم، وقال: يجب أن نستفيد هذا الاحتفال ونستلهم الدروس والعبر ومعاني التضحية والفداء، ونعمل صفاً واحداً حكومة وشعباً بكل ما أوتينا من قوة وحكمة من أجل المستقبل ورسم رؤى للرعيل الأول الذي صنع الاستقلال. وأضاف: الاستقلال يعني العزة والترابط والتضحيات والنهضة والتغيير، والاستقلال الذي نستظل بثماره وننعم بجلاله قطعاً لا يتوفر إلا بالرغبة الصادقة والعزيمة الخلاقة لهذا الشعب فكان إصراراً وطنياً صامداً وحَّد الصفوف وصاغ النفوس وفجَّر الطاقات الكامنة التي خاض بها رعيلنا الأول معركة الصمود والتحدي والتحرُّر حتى حقق السلام الكامل ووضعوا لنا لبنات من نور لأعظم يوم من تاريخ أمتنا. استشعار عظم المسؤولية الكبيرة والأمانة الوطنية، هي واحدة من المطلوبات التي أشار إليها نائب رئيس الجمهورية أمس، مؤكداً على ضرورة التعاون والتعاضد والتوافق صفاً واحداً متحداً بكل مكوِّنات السودان ومرتكزاته وأمته وعقيدته وتفجير طاقاته وإمكانياته، مشيراً إلى أن الاحتفال هذا العام يأتي والبلاد تستشرف عهداً جديداً وغايات أكبر في مسيرتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، سيما عقب مخرجات الحوار الوطني ورفع الحصار الاقتصادي الجائر الذي لفت إلى تصديهم لهم خلال (20) عاماً، قائلاً: على الرغم من تأثيراته لكن، أيضاً، كانت لنا رسالة قوية ضد هذا الحصار و العقوبات، وأضاف: (اليوم نخاطبكم ونضع نصب أعيننا مخرجات الحوار الوطني السياسي والمجتمعي الذي يشكِّل واحدة من أكبر إنجازاتنا السياسية بعد الاستقلال، والذي تواثق عليها الغالبية من أبنائنا البررة بعد حوار جاد وشاق شارك فيه كل أبناء السودان بمختلف تياراتهم السياسية واتجاهاتهم الفكرية والاجتماعية، وكان حواراً وطنياً شاملاً لمدة عامين، وخرجوا بالوثيقة الوطنية التي أصبحت هي القائد والهادي لنا في المستقبل، وأصبحت المرجعية الأساسية لحكومة الوفاق الوطني والطاقة التي توجه مسيرة البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومضى قائلاً: الشكر لكل من أسهم في مسيرة الحوار الوطني داخل وخارج السودان، الذين ترفعوا عن الأجندة الخاصة لصالح الأجندة الوطنية الكبيرة، وأؤكد على التزمنا التام لإنفاذ مخرجات الحوار الوطني والالتزام بالوثيقة الوطنية وأجدِّد الدعوة لكل الذين لم يوقعوا عليها أن ينضموا حيث لا خيار سوى السلام من أجل الوطن). أكد "حسبو" أن برنامج إصلاح الدولة تمثَّل في بسط الأمن والاستقرار والسلام ومشروعات الأمن القومي السوداني والأمن الاقتصادي، وعلى رأسها جمع السلاح، أرضاً سلاح، وبسط الحريات والعدل وفتح باب الحوار وإنزال مخرجات الحوار وتبني الإصلاحات الاقتصادية بالزراعة والصناعة والاستثمار والمشروعات الخدمية وتطوير الخدمة المدنية وتنمية القوة البشرية وتطوير الأجهزة العسكرية والأمنية والمشروعات التنموية كالتعليم والصحة والمياه، فضلاً عن الاهتمام بالعلاقات الدولية الخارجية ومحاربة ظواهر الإرهاب والاتجار بالبشر والمخدِّرات والجريمة العابرة، داعياً إلى ضرورة إنزال الحوار الثقافي والاجتماعي والسلمي والسياسي، قائلاً: (نريد للحوار أن يكون سلوكاً وثقافة وبديلاً للعنف، وأن يكون أسلوب ومنهج حياة وبديلاً للعنف اللفظي)، مطالباً بضرورة وضع السياسات المحكمة لتحسين السياسات الاقتصادية للبلاد، مردفاً: لا شك أنكم تعلمون جميعاً حساسية الوضع الذي يتطلَّب منا الحذر ورفع درجات الوعي. كما دعا إلى محاربة دوافع العنف ولفظها قائلاً:(حقو نحن في المجتمع نلفظها حتى في مناسباتنا ما نستخدم السلاح لأنو أصبح ضاراً، كم من مناسبة قتل فيها العريس). وزاد: هذه السلوكيات لابد من تغييرها، والتعبير عن الفرح يكون بشيء غير السلاح أو الألعاب نارية والمجلس التشريعي عليه دور كبير للتشريع والسلطات المحلية لولاية الخرطوم، في قيادة هذا التغيير وممثلي الشعب لابد أن يراعوا هذا الشعب من أجل البعد من عوامل العنف، واستطرد: (خلونا نكون شعب متحانن مسالم ومتراحم نحترم بعض ونزيل الجهالات والاستعلاءات الوهمية والكراهيات والقبليات والمناصيريات، من أجل أمتنا ووطننا وعقيدتنا وأمتنا من أجل النهضة. الخرطوم عاصمة للسودان كله ما في قبائل لا شورى لا روابط، خلونا نعمل نادي ثقافي ونادي رياضي ونادي الشعراء خلونا نمزج هذا المجتمع، كلنا سودانيين فينا أصول عربية وأفريقية، مسلمين ومسيحيين ونوبة وأقباط وشراكسة وأتراك وكلنا سودانيين وفي ناس لا لون لا طعم لا رائحة، وأضاف: الواحد يقول أنا سوداني وخلاص، يجب أن نزيل هذه العقد، لأنها جهل وأن نكسر الحواجز والأوهام عشان نبقى أمة واحدة وناهضة ولديها موارد ونبقى أنموذج، علينا أن نتذكر الرعيل الأول عندما قيل ل"إسماعيل الأزهري" أنو ما عندو علم فأخرج منديلاً وكتب عليه السودان، مافي حاجة اسمها قبيلتي كدا ولا غيره دا كلام فارغ، الله سبحانه وتعالى قال: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)، وقطع قائلاً: نحن تحرَّرنا من الاستعمار الاستيطاني، لكن نحن مستعمرون داخلياً بعادات وهمية وثقافات غير حقيقية وجهالات وموروثات يجب أن نتحرَّر منها عشان المجتمع ينهض، الحوار من أجل الكرامة ومن أجل الإنسان، الحزب الكبير والحزب الصغير في الحوار الوطني هم سواء، العندو واحد في المية والعندو 90% أبو واحد يساوي مية في المية عايزين نخرج بجرد حساب ماذا فعلنا وماذا نريد أن نفعل في العام القادم). وفي الأثناء اعتبر والي الخرطوم الفريق أول ركن "عبد الرحيم محمد حسين"، أن الاستقلال ملحمة وطنية بمشاركة جميع النخب، مؤكداً أن هذه الذكرى تأتي والبلاد في حالة من الوحدة، قائلاً: لقد توحَّدت بلادنا بإرادتها مرة أخرى خلف الوثيقة الوطنية والتي سطَّرها غالب أهل السودان وارتضوا مبادئها ومعانيها، بعد أن سئموا الحروب العبثية وتلك النزاعات التي يغذيها الأعداء والمتربصون، وزاد: السلام هو الخيار الأوحد لأهل السودان وذكرى الاستقلال من داخل البرلمان ستكون محفورة في ذاكرة الأمة لما تمثله من وثبة وطنية نحو الحرية. كما أكد رئيس تشريعي الخرطوم المهندس "صديق محمد على الشيخ" أن هذه الذكرى ستظل خالدة في نفوس كل السودانيين، ودعا إلى ضرورة استلهام العِبر والمعاني من ذكرى الاستقلال، مؤكداً أن الاحتفالات تأتي هذا العام والبلاد تتفيأ ظلال الوفاق الوطني وسط أجواء تمور بالفتن والحروب في المحيط الإقليمي، وقال: نحمد الله على نعمة الأمن والطمأنينة وبلادنا تخرج من الحبس الإجباري (الحصر الاقتصادي) الذي حبس أنفاسنا وتوهمناه بعبعاً مخيفاً لكنا وجدناه (نمر من ورق).