تذكرت أمس نكتة المسطول الذي سألوه عما يعرف عن (ابن سينا)، فقال بكل ثقة : هذا أخو جون سينا !! بصراحة .. جون سينا أشهر من ابن سينا، هذا على الأقل ما يسود وسط الكثير من المجموعات الشبابية اليوم، والسبب أن الناس أصبحت أسيرة للقنوات الفضائية لا الكتب والمكتبات، وجون سينا في رأيي الشخصي، مصارع عظيم، وكثيرا ما أكتشف أنني آذيت أصبع إبهامي، وأنا أعض عليه بقوة حين أرى هذا المصارع يتعرض للغدر، أو حين يبطش بالذين يقصدون إيذاءه بطرق غير نزيهة لإلحاق الهزيمة به ! وبمناسبة المصارعة ومبارياتها، ففي رأيي أن الدعاية التي تصاحب هذا الاستثمار الهائل، هي من أكثر الدعايات ذكاء، ومن أكبرها تأثيرا في الناس، ويتم تصميمها بطرق احترافية .. تجعل الناس لصيقين بهذه الرياضة .. بل ويتزايدون في أعدادهم أسبوعا بعد آخر ! شركات المصارعة .. باتت تتفنن الآن في الترويج لمباريات التحدي والثأر بين المتصارعين، فيأتي البطلان بعضلاتهما (التبشية)، وأجسامهما (التبلدية)، فيمسك كل واحد منهما بمايكروفون في يده، وتبدأ (المناقرة) بين الغريمين، وكل منهما يسعى لتأجيج غضب الآخر، والسخرية منه، والنبش في سيرته وأسرته وعرقه، فتحتدم نار الغضب بين الطرفين، ثم يتم تحديد مباراة قادمة بينهما .. لتصفية الحساب ضربا وركلا وتفطيسا .. على أرض الحلبة . مثل هذه الدعايات المصممة بحرفية، والتي يؤديها المصارعون بإتقان كامل بعد إجراء البروفات المطولة عليها، تجعل تذاكر المباراة الثأرية تنفد قبل الموعد المحدد، وتشعل نار المراهنات، وتجذب المتابعة الفضائية، وتجلب الإعلانات التلفازية بين المباريات، وفي النهاية .. يكسب الكثيرون وخصوصا المصارعين الملايين، في حين يخرج المهزوم أيضا بنصيب وافر من الكعكة .. وعلقة تفوت ولا حد يموت ! منذ فترة ليست بالقصيرة، بدأ الناس يلحظون دخول السيدات مجال المباريات الرجالية، حيث يأتي المصارع أحيانا ومعه مرافقته، وقد تشهد المباراة تلاسنات بين بنات حواء المصاحبات للمصارعين، وربما يصل الأمر بينهن لضرب بعضهن البعض، وبصراحة فإن معظم صديقات المصارعين هن أيضا من المصارعات المحترفات، بمعنى أن عضلاتهن لا تقل تكتلا وبروزا عن عضلات أصدقائهن، لكن هذا لا يمنع أن بعضهن كالقشطة، وهذا ليس وصفي، بل وصف أحد أصدقائي المتخصصين في متابعة المصارعات وكل أسرارها وشؤونها ! أمر المصارعة يقوم أولا وأخيرا على الدعاية .. والترويج .. والسعي لتحقيق الأرباح الطائلة، وأزعم أن الشركات التي تقف وراء المصارعة ومبارياتها . . هي الأعلى تحقيقا للأرباح وجنيا للثمار، في حين أن المصارعين الذين (يتناقرون) بالألسن أولا، ثم يخوضون المباريات (الدرامية) لاحقا، هم في حقيقة الأمر أصدقاء، وتجمع بينهم المصالح المشتركة في جني المال، ولا شيء غير جني المال ! بصراحة أفكر أحيانا : هل (المناقرات) السياسية بين الغرماء السودانيين، هي جزء من (دراما) محبوكة جيدا، لها أهدافها وسيناريوهاتها ومراميها التي لا يعرفها الناس، فيحترب القوم جراءها، ويتشرذمون تأثرا بها، في حين يتلاقى الغرماء سرا بعد ذلك .. ضاحكين وغير مكترثين لما جناه القوم من أوجاع وآلام وضحايا ودماء .. جراء الخصومات . هنيئا لجون سينا بطولاته وإنجازاته، وعذرا لابن سينا عما جناه أحد مساطيلنا .. وكل جمعة وأنتم بخير.