حدثان مهمان أحدهما أو كلاهما له صلة مباشرة باتفاقية التعاون المشترك بين السودان وجنوب السودان التي وقعت الخميس الماضي.. الأول القبض على الفريق "قاي جيمس" بالفتيحاب أحد قادة الفصائل الجنوبية المنشقة عن الجيش الشعبي وفي معيته أسلحة متعددة، أما الثاني فهو التوجيه الرئاسي (الفوري) بتصدير الذرة إلى دولة جنوب السودان.. البعض رأي أن القبض على "قاي" وهو معارض للحركة الشعبية يدخل في إطار تأكيد الخرطوم على جديتها في تنفيذ الاتفاقية الأخيرة، وإن كنت أرى غير ذلك وسأبين وجهة نظري..لكني قد أتفق مع أن توجيه الرئيس "البشير" يصب في هذا الاتجاه..من ذهب إلى الرأي الأول كأنما يريد أن يقول إن الخرطوم كانت تدعم المعارضة المسلحة لحكومة الجنوب وقد جاء الوقت لكي تتبرأ الخرطوم من هذا (الجُرم).. لكن دعم المعارضة المسلحة لا يكون في قلب الخرطوم العاصمة وإنما في معسكرات متاخمة للحدود مع دولة الجنوب.. الأسلحة المضبوطة من حيث الكم والنوع لا يمكن النظر إليها باعتبارها تسليحاً يرقى لإسقاط نظام الحركة الشعبية في جوبا بالقوة العسكرية.. حسب تقديري أن ضبط "قاي" وأسلحته يأتي في إطار عملية أمنية استهدفت السلاح العشوائي وغير المرخص خاصة بعد الأخبار التي توالت عن ضبط اسلحة مهربة في طريقها إلى الخرطوم.. بالنسبة لتصدير الذرة و(الفتريتة) إلى دولة الجنوب فإن استفهامات عدة قد تفرض نفسها؛ فمثلاً حديث وزير الدفاع عن أن تنفيذ الاتفاقية في جوانبها الاقتصادية مرتبط بإنفاذ ما اتفق عليه فيما يتعلق بالترتيبات الأمنية؛ فهل بدأ إنفاذ الترتيبات الأمنية بهذه السرعة البرقية؟ أم أن ل(الفتريتة) استثناءاً مُستحقاً؟.. أتمنى مخلصاً ألا يكون كل ذلك (هرولة) لا تستحقها الحركة الشعبية المتلكئة دائماً والمتلجلجة باستمرار والناقضة للعهود والمواثيق.. تأكيد المؤتمر الوطني بعدم وجود بنود سرية لصالح السودان يقطع الشك باليقين بأنه لا سبيل في التفكير في (مكاسب) غير منظورة يمكن أن تزيل بعض الغبن الذي يعتري البعض.. خاصة أن كبير مفاوضي دولة جنوب السودان "باقان أموم" طفق يقول: (إن مقترح "أمبيكي" حول أبيي يحرم المسيرية تماماً من المشاركة في استفتاء ابيي)!!.. إرجاء قضية أبيي يمهد الطريق إلى حل مفروض من جانب مجلس الأمن الدولي وهو مقاول من الباطن لمجلس الأمن والسلم الإفريقي الذي بالضرورة سيحال إليه الملف.. "أموم" قال:(إن الرئيس "البشير" ووفد الحكومة رفضا المقترح الذي تقدمت به الوساطة لإجراء الاستفتاء في ابيي، مشيراً الى أن خطوة الوساطة الإفريقية القادمة تكمن في تقديم تقرير لمجلس السلم والامن الإفريقي الذي بدوره سيقوم بإعداد حلول قال إنها ستجد الدعم من مجلس الأمن والأمم المتحدة وأكد أن حلول مجلس السلم والأمن الاقليمي ستكون ملزمة للدولتين)؟!.. تلكؤ الحركة الشعبية بشأن أبيي كان دائماً بسبب نواياها تجاه إبعاد المسيرية من المشاركة في استفتاء مصير أبيي كما نص بذلك من قبل قرار محكمة لاهاي.. وها هو "باقان" يبدي ارتياحه وربما حاول تطمين (أولاد أبيي) الغاضبين مثل دينق ألور.. طبعاً الحركة ترى أن من حق أفراد دينكا نقوك التصويت في الاستفتاء ولو كانوا مقيمين في المريخ، بينما ترفض أن يصوت المسيرية الذين استوطنوا المنطقة منذ مئآت السنين.. لذلك نرى أن هذه الاتفاقية التي قرع لها طبل الفرح الزائف اتفاقية ملغومة.. أما الحريات الأربع التي حاول المفاوضون التعمية عليها والإشارة إليها بقضايا (المواطنة) فتلك مصيبة أخرى قد لا يتسع المجال للإحاطة بآثارها الكارثية. • آخر الكلام: الصحفيون هم أشبه بمغامرين لا يجرؤون، ولم يجرؤ أسلافهم، على تقدير نهايات مشوارهم المهني، خصوصاً أن اللا استقرار يسمُ حياة كل منهم منذ لحظة نشر مقالته الأولى، أو حمله بطاقة من مؤسسته.. قلبي على الزملاء الذين شردوا بسبب إيقاف صحيفة (التيار).