بدا الأمين العام الحالي للحركة الإسلامية "علي عثمان" أكثر انفتاحاً على الآخر مستصحباً خبرات المجرّب على مدى عقود مضت من العمل السياسي تحت مظلة الحركة الإسلامية.. الحدث الذي حفز الشيخ على الحديث، هو مؤتمر القطاع التعليمي الثقافي أمس الأول.. لم يعد هناك مجال للاندفاع والحماسة، بل الروية والحكمة واستقراء التجربة ومراجعتها.. اعتراف صريح من الشيخ أنهم كانوا في السابق يرفضون الآخر حتى التنظيمات ذات الخلفية الاسلامية تحركهم الحماسة وربما الرؤية الجزئية.. "علي عثمان" وصف وجود الطرق الصوفية والتنظيمات السلفية وكل ما له صلة بالاسلام بأنها تشكل حديقة إسلامية مليئة بمختلف أنواع الأشجار المثمرة.. الثمر مختلف ألوانه متعدد مذاقه، فمنه الحامض والحلو والمر لكنه كله مفيد في المحصلة وحتى الحامض أو المر، فهناك من يفضله على الحلو.. قبول الرأي الآخر ضرورة حياتية وربما دينية حتى داخل الحركة الإسلامية نفسها، واستشهد الشيخ بمداخلة أحد الشباب التي صب فيها جام غضبه على كثير من الأوضاع. وقال في نهاية مداخلته: أنا أعلم أنه بعد هذه المداخلة سوف يهمس الكثيرون بأنني (شعبي) أو (أنتي).. "علي عثمان" طالب الجميع بالبوح بما في دواخلهم، مؤكداً أن القول الحر الصادق مع البقاء في الصف هو الذي يحمي صاحبه من الهمز واللمز. وشدد على أن الحركة الإسلامية منبر حر وأولى به أن يتسع لأبنائه.. يرى "علي عثمان" أن الخلل اليوم يكمن في حالة التوهان عن الكُليات والغرق في التفاصيل دون استحضار الأهداف الكلية.. كل عمل يؤديه عضو الحركة الإسلامية عليه أن يتذكر تلك الأهداف مهما كانت درجة غرقه في التفاصيل.. المؤمن الحق يستحضر دائماً الآخرة وضرورة أن يرتبط كل عمله بالسعي للنجاة من النار ودخول الجنة (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).. بعد قيام الدولة والتمكين يرى الشيخ أن دور الحركة الإسلامية يحتاج لتجديد. فالحركة ما قبل قيام الدولة ليست هي نفسها ما بعد قيام الدولة.. غياب التخطيط الاستراتيجي داخل الحركة واحدة من السلبيات التي أشار إليها "علي عثمان" بكل صراحة مطالباً بتقويم كلي بدون الدخول في التفاصيل. كانت أهداف الحركات الإسلامية في العالم على الدوام نشر الإسلام وسيادة الفكر الإسلامي واعتماده أسلوب حياة وبديلاً للفكر الغربي القائم على العلمانية والرأسمالية.. لقد كانت الدولة العثمانية إحدى آخر التجارب الإسلامية ما قبل الحربين العالميتين، والتي كانت من نتائجهما سيادة الفكر الغربي القائم على العلمانية وامتداد تأثيره على العالم الإسلامي. وقد ظهر ذلك بشكل صارخ في تركيا وكان "كمال أتاتورك" رأس الرمح في ترسيخ بديل علماني صارم مدفوع ومدعوم من قبل المنظومة الغربية التي شكلتها الحرب العالمية الثانية بشكل خاص.. في السودان وما قبل المهدية فقد أصبح الإسلام من أهم العوامل المؤثرة على التكوين الثقافي السوداني منذ القرن السادس عشر الميلادي.. مجموعات رئيسة في وسط السودان وشماله تحولت من أديانها السابقة إلى الإسلام بعد تفاعلات طويلة وديناميكيات معقدة، اختلط فيها الفكري بالاجتماعي والاقتصادي والسياسي.. ثلاث مراحل مرّ بها الفكر الديني السياسي: مرحلة التكوين الأول من أربعينيات إلى ستينيات القرن الماضي. مرحلة التفاعل السياسي والاجتماعي النشط في فترة سبعينيات القرن الماضي وحتى نهاية الثمانينيات منه حيث قامت ثورة الانقاذ الوطني.. مرحلة الهيمنة على الدولة وقد بدأت بتسلم الرئيس "عمر البشير" الحكم في 1989م.. في هذه المرحلة اهتمت الحركة الإسلامية بمزج خطابها الفكري والسياسي بالخطاب الموجه من قبل الدولة التي استمرت قومية الطابع أكثر من كونها دولة عقائدية.. وكان نهج الحركة دائما البحث عن أرضية مشتركة مع كل السودانيين على اختلافهم ومحاولة المواءمة بين ذلك وبين مبادئها الإسلامية. • آخر الكلام: أحلامهم الوردية تزوي وتضمحل في وهج العذاب الذي يشتعل في دواخلهم.. فالقيم الخالدة الرائعة أحالها الواقع الأليم إلى خرافة.