هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته ما إن استوت سفينة الربيع العربي المبارك علي جودي النجاح والنصر وتحقيق أهدافها في بعض البلدان العربية ، وأجبرت نُظُم القهر والتسلط والتبعية العمياء على الرحيل والترجل من سدة الحكم عنوةً ، حتى برز مايعرفه الغرب بالإسلام السياسي علي السطح كأكبر النجوم المتلئلئات في سماء الفعل السياسي في الساحة العربية ... وتعريف الغرب له بهذا الإسم- الماكر- ينبع من الفكرة العلمانية التي تبناها الغرب منذ قرون ، وبعد المعارك الفكرية الضارية التي خاضها مع الكنيسة ، ويريد ان يعممها علي الدين الإسلامي بصفة خاصة ؛ حسداً من عنده ، رغم ان الإسلام ماعرف عبر تاريخة الزاهر البعيد صراعا بين العلم والدين ، فهو يحترم العقل ، ويُعلي من شأن التفكر والتدبر والإجتهاد ، ووردت هذه المعاني والقيم في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة ، وعبر مشاهدالسيرة المباركة والأثر الفقهي المُوثق والمُحقق ... فالإسلام كلٌ لا يتجزأ ؛ فهو رحمة للعالمين ، ومنهج حضاري متكامل ،.." قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ..." من أكثر الكيانات السياسية التي عانت من البطش الرهيب من قبل الانظمة الدكتاتوورية المدعومة غربياً خلال الستين سنة الماضية ، هي التيارات الإسلامية ... برزت هذه التيارات كمدافع صلب عن القيم التي تُعبر عن تراث الأمة الحضاري فأضحت قريبة من الشعب – الشعب الذي فقد الثقة تماماً في الكيانات الموالية للأنظمة الديكتاتورية البائدة - والحكومات التسلطية مسحت كل الكيانات المعارضة الاخرى .. والوقائع المتلاحقة أثبتت ان الشعوب العربية كانت في وادٍ والانظمة كانت في وادٍ آخر ، ماكانت هذه الانظمة تستمد شرعيتها من الشعب كما هو في الغرب والأنظمة السياسية الرشيدة ، إنما كانت تستمدها من الآخر المعادي لقيم الامة ، والساعي لتخلفها وتبعيتها العمياء ، فكان التباعد بينها وبين شعوبها ، والخوف من البطش الشديد هو الرابط الوحيد بينهما – ولكن الذي يخاف اليوم سيمتلك الشجاعة ويقول لا وألف لا غداً أو بعد غد – فالعلاقة في مجالها تأسست على التخويف والتهديد ، فكان الإنهيار السريع في أول لحظة تاريخية كسرفيها الشعب حاجز الخوف ... إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر هذه هي الحرية التي ينادي بها الغرب ، ويتبجح أمام كل الوسائط الإعلامية بأنه المدافع الوحيد عن هذه الحرية ، والديموقراطية ...هي حكم الشعب لنفسه بنفسه ، سن القوانين التي تتوافق مع عاداته وتقاليده وعقيدته ، اما إذا أراد كيان محدد فرض ديمقراطية بالقوة على شعب ما فهذه ليست ديموقراطية ، بل هي تسلط وهضم لحقوق الإنسان ، التي تأتي "حرية التعبير" علي رأسها ، فلنراجع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948م الذي تمر ذكراه الثالثة والستين هذه الأيام، وهو أقرته الاممالمتحدة منذ ذلك الزمن السحيق ... والحرية دوماً تجعل الناس يختارون الأحسن – والأحسن هذه معيارية تختلف من شعب لآخر ؛ الذي أحسن للشعب المصري ، يختلف عن الأحسن للشعب الصهيوني !!! .. وبعد أن أنقشع غبار الثورة وتمايزت الصفوف في تونس الخضراء وقامت الإنتخابات في جو معافى وأخوي إختار الشعب التونسي الحر " حزب النهضة الإسلامي " بقيادة الشيخ راشد الغنوشي كأكبر ممثل له في السلطة القادمة ، رغم البطش الذي عاناه هذا الحزب خلال سنوات بن علي ومن قبله الحبيب بورقيبة ، ولكن الشعب يريد كيانات مستقلة وعزيزة ، وكان هذا الفوز بمثابة ضربة موجعة للدوائر الغربية التي راهنت كثيرا علي التيارات المناهضة للإسلاميين .. ومن ثم أتت المغرب ، رغم انها ذات خصوصية ؛ بحكمها الملكي – الذي أجرى إصلاحات لا بأس بها نتيجة الضغوض السياسية عليه من قبل الشارع المغاربي ، وكذلك تأثير المناخ الثوري العام في المنطقة ، فكان الإسلاميون " حزب العدالة والتنمية " في مقدمة القوى السياسية التي نالت ثقة الناخب المغربي ، ومن ثم أصبحت أكبر كتلة برلمانية في المجلس النيابي المنتخب ، والدستور يخول لقائدها تكوين الحكومة وفق توافق سياسي مقبول من كل الاطراف المشاركة ، فكلف زعيم الحزب من - قبل الملك- بتكوين الحكومة التي تقود العمل في الفترة القادمة ... وكذلك مصر – الثقل السياسي العربي الأكبر ، والمركز الفكري العربي الأقوى ، كل مؤشرات المستقبل السياسي بعد سقوط نظام مبارك ترجح كفة الكتل الإسلامية" حزب الحرية والعدالة – الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين - وحزب النور – صاحب المرجعية السلفية " لقيادة مرحلة مابعد الثورة...رغم أن الإخوان المسلمين والسلفيين أكثر الكيانات التي واجه عناصرها البطش والتنكيل من قبل الحكومات السابقة – منذ الملك فاروق – جمال عبد الناصر – أنور السادات ، حسني مبارك – أي لأكثر من ستين سنة خلت .. والمؤشرات كلها تقول أن ليبيا " مابعد القذافي "علي ذات الطريق ؛ لأن المقاتلين الإسلاميين كانوا الأشرس في ميادين الكفاح ضد القذافي؛ لما لهم من خبرة في الجهاد الأفغاني وغيره ؛ ولأنهم القوة السياسية الوحيدة التي كافحت نظام القذاقي رغم قبضته الأمنية الشرسة ؛ وهم الاكثر تنظيماً الآن ، والمزاج الشعبي العام يحبذ الإسلاميين في هذه المرحلة ..ولعل كل الثورات التي لم تكتمل في اليمن وسوريا وغيرها ...، والأنظمة الأخري ستشهد تغييرات كبيرة في المشهد السياسي والهيكلة السياسية للدولة ، وكل إنتخابات حرة نزيهة تجري هنا او هناك سيكون للإسلاميين " - ونقصد هنا الإسلاميين المعتدلين الوسطيين الذين لايرفضون مشاركة الآخر مهما كانت ميوله الفكرية - فيها نصيب الأسد ؛ لأن الإسلام الحق ..دين التعاون والإئتلاف والعدل والشراكة الصادقة... " والدين المعاملة " ، وستكون الفترة القادمة من أكثر الفترات خصوبة في العمل السياسي والإنتاج الفكري للقوى الإسلامية التي تقود العمل السياسي في الدول العربية ، بعد سقوط القوى المتطرفة الدكتاتورية الموالية للغرب ، والباطشة بشعوبها ... هنالك تخوف غير مبرر من الدول الغربية بعد بروز التيارات الإسلامية كأقوي ممثل للشعوب العربية ، بعد الربيع العربي ؛ لان هذه التيارات غير متطرفة وغير رافضة للآخر مهما كانت ميوله السياسية وشعارها دائماً " لا إكراه في الدين " – يعني لا جبر ، ولاغصب لشخص ما للدخول في الإسلام والإيمان بالعقيدة الإسلامية !! فكيف يُجبر علي اعتناق مذهب سياسي بشري النشأة والبرامج والإجتهاد !!! .. وعلي الغرب أن يمحو من ذهنه شبح " الإسلاموفوبيا " ويتعامل مع الإسلاميين بعقل مفتوح وبعدالة ودون استعلاء ... وهنالك تجارب إسلامية تعايشت مع الغرب سياسياً واقتصادياً ، تجربة "حزب العدالة والتنمية التركي " ، والمؤشرات ترجع الإقتباس والإستفادة من هذه التجربة التركية الثرة ... وإسرائيل تُعتَبر الأكثر خوفاً من هذا الصعود الإسلامي ؛ لأنها تخاف من تكرار المواجهة العسكرية تحت هذه الراية "الإسلامية " ، رغم أنها تدرك ان الدول الإسلامية الآن في وضع لاتحسد عليه عسكرياً وسياسياً وإقتصاديا ، هي خاضت المواجهة تحت الرايات القومية فهزمت الأمة العربية فيها شر هزيمة " 1967م" ، فكانت مقبرة النظام الإشتراكي الناصري ... ويهود براك وزير الدفاع الصهيوني يقول :"إن صعود الإسلاميين في مصر يثير قلقنا البالغ ؛ بعد سقوط نظام مبارك تم تفجير خط الأنابيب الناقل للغاز لإسرائيل والأردن "تسع مرات " خلال هذا العام فقط...فأمام الإسلاميين تحديات جمة ، وتحتاج إلي يقظة شديدة .. الغرب سيضغط إقتصادياً على الحكومات التي يكونها الإسلاميون لتركيعها وضمان أمن إسرائيل، ولإحتواء هذه الأنظمة ، والإقتصاد العربي هش هش ، فالتعاون والتكامل الإقتصادي بين الدول العربية الإسلامية هو العاصم من هذه القواصم ، والإستثمارات خصوصاً في الزراعة ، ولعل السودان يشكل مرتعاً خصيباً في هذا المجال ، والعالم الآن يحتاج للزراعة والمواد الغذائية ... وأيضاً سيدعم وبسخاء الحركات المناوئة للإسلاميين ... فالواجب علي الإسلاميين تشكيل حكومات وفاق وطني مع القوى الوطنية الحريصة على المصلحة العامة ، وتقوية جبهتها الداخلية ... فما انهزم شعبٌ وجبهته الداخلية متماسكة ، وعلى الإسلاميين احترام الديموقراطية التي أتت بهم ، والحفاظ عليها ؛لأنها السفينة التي تبحر بالأوطان إلى شواطي الحرية والعدالة والتنوع ...فهل نشهد في الفترة القادمة ديموقرطية بنكهة إسلامية ؟؟ وياتي الإسلاميون على صهوات الربيع العربي ...؟" وإنَ غداً لناظره قريب" !!