قرأت عصف عبدالمحمود الكرنكي الذهني في عدد «الإنتباهة» يوم الخميس 26/4/2012م، وكان كلاماً رصيناً ومتماسكاً عن الشيخ محمد هاشم الهدية رحمه الله وعدّد فيه كاتبنا من مناقب الشيخ وحكمه وفضله وصبره في سبيل الدعوة لله. وما نشهد له أن الشيخ قد حافظ على دعوة أهل السنة والجماعة ودعمها بلينه وحكمته المعهودة. وقد حكى لي شقيقي الأكبر د. عبد المنعم صبير طرفة عن الشيخ الهدية قال فيها: كان الشيخ في اجتماع ومعه نفر من الناس وقد أذّن أذان العصر ومازال الشيخ ورجال حوله يناقشون أمور دينهم وكان أحد الشباب المتحمسين يأتي داخلاً ويصيح :«يا شيخنا الصلاة» ويردالشيخ: «سمح قايمين عليها» وبعد برهة يأتي الشاب مرة أخرى ويصيح:«ياشيخنا الصلاة» ويرد عليه الشيخ الهدية :«سمح قايمين عليها» ولما كرر الشاب ذلك في المرة التالية رد عليه الشيخ «يا ولدي أنت قائم فيها جديد؟ ما قلنا لك قايمين عليها» وكانت هذه الطرفة من الدروس القوية والحكيمة للشباب الحاضرين. ومن صراحة القول ربما أذهب إلى جوهر الحديث ألا وهو أن الذين سبقونا في الدعوة إلى الله كان جلُّ همهم أمر هذا الدين الحنيف وقد بدأت الحركة الإسلامية كجسم واحد. وكان الإخوان المسلمين وأنصار السنة والصوفية والاتجاهات الإسلامية الأخرى تعمل ككيان واحد. وقد عرفت جبهة الميثاق الإسلامي بلمها شمل كل الإسلاميين باختلاف مللهم ونحلهم والذين كان همهم الأول والأوحد هو تحكيم شرع الله في هذه البلاد الصابر أهلها. و بعد أن عدد كاتبنا الذكي الكرنكي من مناقب الشيخ الهدية دلف إلى ذكر مرحلة من تاريخ الحركة الإسلامية في بداية السبعينيات من القرن الماضي عندما أودع الرئيس جعفر النميري رحمه الله الإسلاميين في سجن كوبر. وهنا للتاريخ وربما شهادتي لله يحتم علي الموقف أن أذكر من مواقف ومناقب النائب الأول شيخ علي عثمان محمد طه وذلك على لسان الشيخ عمر صبير رحمه الله . فقد حكى لي عمي الشيخ عمر صبير مرحلة سجن كوبر وكان دائماً ما يحدثني عن مواقف الإسلاميين وأدبهم وتربيتهم وقال لي: سجننا النميري في مطلع السبعينيات. ومن أدب الشيخ أنه لم يذكر لي النميري بسوء قط رغم أنه في هذا الموقف يتحدث عن سجانه. وربما من قصه لبعض القصص عن تلك الفترة فكأني قرأت عن ذلك أن الرئيس جعفر النميري من دواخله كان معجباً بهؤلاء الرجال الشجعان الذين يدافعون عن فكرتهم بجرأة وقوة وأدب جم. وللأمانة هذا ما قرأته من الموقف ولم يذكره لي الشيخ بواحا. ونعود إلى السجن حيث قال لي شيخ عمر:«يا سعد عندما كنت في السجن لم أكن أغسل ملابسي فقد كان يغسلها لي ولدي علي» هذا ما قاله لي شيخ عمر بالحرف الواحد. وولده علي هذا هو السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية شيخ علي عثمان محمد طه.وقد شكل ذلك في نفسي أثرًا كبيرًا وكيف يكون أدب المسلمين بينهم، وأيقنت في نفسي أن أمة قادتها أمثال هؤلاء فلن تموت فكرتها. وتوفي الله الشيخ المجاهد عمر صبير وهبّ الإسلاميون عن اختلاف مذاهبهم ومدارسهم ومن جميع أوطانهم وشعوبهم ليشيعوا شيخهم الوقور إلى مثواه الأخير.. وهنا يحدثني أبي الشيخ عثمان صبير فقال لي:«بعد أن دفنا شيخ عمر وكان هناك جمع كبير من الناس فانتظرت حتى تفرق الناس من المقبرة ثم عكفت راجعاً لألقي نظرة أخيرة وأدعو لشيخ عمر في قبره. وعندما وصلت إلى القبر وجدت علي عثمان هناك في قبر الشيخ عاكفاً يدعو له. ألا رحم الله الشيخ الهدية وشيخ عمر صبير وبارك الله في من حملوا راية الدين من بعدهما، كل في موقعه يقول إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين.