الأستاذ "محمد ضياء الدين" عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي الأصل، لم يكن على نمط أحوال المعارضين في أوضاعه وخصائصه وأسلوبه، فالصورة المقطعية تؤكد أن صرخة ميلاد "محمد ضياء الدين" إلى عالم الحياة جاءت من داخل ماسورة بندقية في حين كانت إطلالة جميع المناضلين إلى رحاب الدنيا من بطون أمهاتهم، وهم يجسدون الناموس الطبيعي في الإقبال على وجه البسيطة، غير أن "محمد ضياء الدين" كان يمثل حالة استثناء وهو يطبق بكل اقتدار القاعدة الذهبية في أدبيات البعثيين التي تصدح بأنهم جاءوا إلى الدنيا من أنبوبة الحمم وفوهة البندقية، كناية عن القوة والجسارة في سبيل تأدية رسالتهم الخالدة باقتلاع الاستعمار الجديد والصهيونية العالمية. وأيضاً يلتقط المراقب الموضوعي مزايا أخرى في سجل "محمد ضياء الدين" عندما يقابل المطاردة والاعتقال من السلطة بالابتسامة والبرود، فضلاً عن الرقم الكبير في عدد مرات الإيداع في الحبس التي وصلت إلى أكثر من (14) مرة!! الأستاذ "محمد ضياء الدين" لا يتورع في الدعوة لإسقاط الإنقاذ بالصوت العالي عن طريق الوسائل المشروعة مهما كانت التكلفة والتضحيات، وهو يعطيك الإحساس الصادق بأن عدوانه للحكومة من الطراز الغليظ في الخصومة السرمدية التي لا تقبل المحاورة والتفاهمات في عالم السياسة الذي يصادق الذئب والحمل!! ظل "محمد ضياء الدين" يمثل حزبه في الهيئة العامة لقوى الإجماع الوطني، وما زال يمارس دوراً متعاظماً في الحراك الكثيف والمجهودات الواسعة داخل منظمة المعارضة، وهو يحارب السلطة من خلال قناعات راسخة بأنها لن تبدل النهج الذي تسير عليه انطلاقاً من رؤية حزب البعث الأصل، وقد شارك "محمد ضياء الدين" في كتابة وثيقة البديل الديمقراطي التي تعدّ محاولة ذكية من قوى الإجماع للمساهمة الناجعة في معالجة القضية السودانية. يرى الكثيرون أن "محمد ضياء الدين" يتحرك من سلاح التصميم والمنازلة في سياق أهدافه الواضحة القائمة على تصنيف الإنقاذ في خانة العدو الإستراتيجي، وربما يكون من خلال هذا الموقف أكثر تطرفاً من بعض الرفاق داخل الحزب!! وهو بذلك يحوز على لقب (صقر البعثيين) بموجب أسلوبه ونكهته الذاتية المضادة للسلطة!! لا يعترف "محمد ضياء الدين" بأحزاب البعث الموجودة في المسرح السوداني، وهما حزب البعث السوداني الذي يتزعمه "محمد علي جادين" وحزب البعث المرتبط بالقطر السوري الذي يقوده "التيجاني مصطفى"، ويرى بأن هؤلاء لا يمثلون إرادة البعثيين ودورهم المفصلي والوجداني على صعيد التحديات القومية والقطرية!! على الصعيد الشخصي، كانت لي سانحة الالتقاء بالأستاذ "محمد ضياء الدين" عام 1992م عندما كانت المناخات قاسية، والأجواء مكفهرة، فقد كنت ممثلاً للاتحاد الديمقراطي في لجنة إعلام التجمع الوطني بينما كان "محمد ضياء الدين" ممثلاً لحزبه في أمانة المهنيين بالتجمع الوطني، وتلاقت النظرات بيننا في العمارة الكويتية يوم ذاك مليئة بالهواجس والارتباك من أول نظرة حتى تعارفنا بعد ذلك. وكان اللقاء الآخر في معتقل كوبر عام 1997م خلال أحداث الكرمك، وقد كنا في قسم الشرقيات، وكان "محمد ضياء الدين" كثير الحركة والنشاط في السجن.. وقد نال إعجاب الأستاذ "سيد أحمد الحسين" الذي كان يدخل معه في مناقشات عميقة حول الأحوال السياسية في ذلك الظرف، وأذكر أن الأستاذ "سيد أحمد الحسين" كان يقول للأستاذ "محمد ضياء الدين" إن الفرق بين الاتحاديين والبعثيين ليس كثيراً، إنه مقدار بوصة واحدة أو بوصتين!! إذا حاولنا إضاءة المصابيح على الوجه الآخر لشخصية الأستاذ "محمد ضياء الدين" نجد أن الرجل سكرتير الاتحاد السوداني لكرة السلة، ونائب سكرتير اللجنة الأولمبية السودانية، وكان لاعباً دولياً في مجال كرة السلة ينتمي إلى نادي الهلال، وهو نقابي متمرس صعد الدرج إلى عالم الأضواء والتكاليف العامة من موقع سكرتير نقابات موظفي ومهنيي قطاع النقل. مهما يكن، فإن الأستاذ "محمد ضياء الدين" قطع المسافة الطويلة على حبل مشدود من مقاعد الطلاب في بلاده، إلى الدراسة الجامعية في بغداد، حتى بلاط القيادة في حزب البعث العربي الأصل.. إنه مشوار عصيب من رجل لا يبيع مبادئه بالذهب في سوق النخاسة!!