أظن أن بطوننا منفوخة بمياه الصرف الصحي، وإلا فكيف نفسر شكوى الكثيرين من التيفويد، وهو من الأمراض التي تنتقل بالتلوث ؟! ليس أسهل من تلوث المياه ليصبح المرض وبائيا، حتى لو سكتت التصريحات والإحصاءات، فالبيوت تحتضن كثيرا من حالات التيفويد، ومراجعو المستشفيات بينهم أعداد وافرة من مصابي التيفويد، وحتى أطباء المختبرات يشيرون إلى تزايد الإصابة بالمرض .. إلى الدرجة التي أصبح فيها الداء أمرا عاديا رغم خطورته . طبعا الاهتمام بالتايفويد في عقود مضت .. كان أمرا مختلفا، وهي ظاهرة تستحق التوقف، فوجود مصاب بهذا المرض، كان يعني عزله، وتطعيم مخالطيه، والاعتناء العالي به، وكل ذلك كان يتم بإشراف المستشفيات الحكومية، وبرعاية أطباء متخصصين، ولذلك كان المرض نادرا، وكانت حالاته معروفة، وتحت الرصد، ومسيطرا عليها، رغم أن الزمان كان غير زماننا الحالي، الذي يفترض أن تكون نهضته الطبية أشمل، وعنايته الصحية أكبر . تغير مسار الريح الآن، وأصبح رد الفعل الرسمي هو عدم الاكتراث بالمرض، بل أصبح المرضى يتنفسون الصعداء حين يكتشف طبيب المختبر أن الحالة هي (مجرد) تايفويد، وليست مصيبة أكبر ! ما يحير .. أن التقارير الرسمية غائبة أو نائمة .. ليس فقط عن رصد حالات التايفويد، ولكن بالتغاضي عن تنوير الناس بما يشربون، حيث تتجه أصابع الاتهام صراحة وضمنا إلى المياه، وحتى لو حدث النكران، وتم التكتم أو السكوت على الأمر، فإن طعم المياه ولونها ورائحتها .. عوامل يمكن بسهولة رصدها في بعض المناطق ! بصراحة .. اقشعر بدني وأنا أقرأ خبر (الدار) أول أمس، فقد جاء فيه أن بعض مواطني جبرة يعانون من تغير المياه، حيث تفوح منها الروائح المنفرة، والتي تأنف النفوس منها، لدرجة عزوف الكثيرين عن شربها، بل والبعد عن الاستحمام بها، حيث أن روائحها (العطرية) تنتقل للأجسام، فيصبح الاستحمام تلويثا للجسم .. بدلا من غسل الأدران عنه ! الخبر لم يتوقف عند هذا الحد، بل نقل معلومة من النوع المضحك المبكي، حيث أشار إلى أن أحد المسؤولين توكل على الحي القيوم .. وقام بشرب جرعات من ماء جبرة، وما هي إلا برهة حتى شعر بآلام في الرأس، ليفقد بعد ذلك وعيه ! بصراحة .. كنت أود أن أقترح على سلطات المياه .. أن توفر لكل بيت، وبشكل فوري، فلاتر للماء الداخل للمسكن، ما دامت غير قادرة على ضبط جودة المياه، فتلك مسؤوليتها تجاه المواطن، بدلا من فرض الرسوم القاسية، والسعي لربطها مع الكهرباء مسبقة الدفع .. في بلد النيل ورافديه الكبيرين ! كنت بالفعل أود ذلك، لولا أنني عرفت بأن الفلترة لا تعني التعقيم، ولا تعني قتل الجراثيم، ولا تعني عزل المياه وحمايتها من تسرب الصرف الصحي بكل مصائبه لها، وبذلك عدلت عن الفكرة، فما نريده قبل تنقية المياه، هو حماية الناس من التلوث المائي، وكم هو مؤلم .. ومخجل .. أن يشكو الناس من الروائح الكريهة في الماء .. بعاصمة السودان ! ماء جبرة، وتحديدا مربع 15 كما جاء في الخبر، أفقد المسؤول وعيه، فكيف بالناس العاديين ممن لا نسمع أخبارهم وآثار المياه فيهم ؟! ارحم يا رحمن !