توتر وقلق يكاد يذهب بوقار (فاشر السلطان)، الجبهة الثورية المتمردة المدعومة من جوبا تريد أن تحيل استقرار المدينة العظيمة وسكينتها إلى اضطراب وفوضى.. في خضم هذه الفوضى يجأر رئيس حركة التحرير والعدالة، رئيس السلطة الانتقالية لدارفور بالشكوى من (اعتداء) يرى أن القوات الرسمية متورطة فيه.. "التيجاني السيسي" قال إن قوات حكومية شنت هجوماً على سيارتين تتبعان لحركته بالقرب من مدينة الفاشر.. والي شمال دارفور "محمد يوسف كبر" في نفس الوقت يحذر من أن البطء في تنفيذ بند الترتيبات الأمنية مع حركة التحرير والعدالة، يعدّ مشكلة إدارية داخلية تحتاج إلى ضرورة تسريع الخطى فيها.. بالنظر إلى هذه المعطيات الأمنية والعسكرية في الولاية، فيمكن توقع حدوث أخطاء عسكرية وسوء فهم يعتري العلاقة بين القوات الحكومية وقوات حركة التحرير والعدالة.. لكن بالمنطق لا يمكن أن نتوقع أي مصلحة حكومية للاعتداء على قوات حركة "السيسي"، وأن احتمال الخطأ غير المقصود هو الاحتمال الغالب.. لكن صمت الحكومة وتأخرها في الرد على احتجاجات الحركة لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال.. صحيح من حق الحركة إبلاغ بعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (اليوناميد) للشروع في تقصي الحقائق طبقاً لاتفاق مع الحكومة حال ظهور أي حوادث من هذا النوع، لكن حالة التفاهم التي ترسخت خلال الفترة الماضية بين الحركة والحكومة جدير بها ألا تحوج الطرفين إلى اللجوء إلى ذلك الخيار. في ندوة سياسة كبرى نظمها الاتحاد العام للصحفيين في مارس الماضي تشرفت بإدارتها، كان "السيسي" متحدثاً رئيسياً حول آخر تطورات الأوضاع في دارفور خاصة بعد أن تسلمت السلطة الإقليمية لمهامها.. الرجل رسم لوحة دارفورية مستخدماً ألواناً رئيسية، هي ألوان السلام والتفاؤل والانشراح.. صحيح أن للرجل قدراته الخاصة و(كاريزما) تميزه عن غيره من سياسيي دارفور، بيد أن العلاقات القوية بين الخرطوموالدوحة شكلت أرضية قوية مكنت "السيسي" من السير عليها بخطوات واثقة.. لقد تولى "السيسي" من قبل حكم دارفور وعمره (35) سنة كأصغر حاكم لدارفور، وقد عينه "الصادق المهدي" زعيم حزب الأمة القومي ورئيس الوزراء آنذاك في ذلك المنصب المهم، وقد اتصفت إدارته حسب مقربين منه بالتوازن بين قبيلته الفور والقبائل الأخرى دون انحياز.. "السيسي" يفهم جيداً مشكلة دارفور وطبيعتها، فقد تم تعيينه خلفاً للراحل "عبد النبي على أحمد" وذلك على خلفية صراع مسلح انفجر بالإقليم في عهد "الصادق".. ومن قبل ذلك تولى "السيسي" مهام وزارة المالية في دارفور التي كانت إقليماً واحداً.. كم كان "السيسي" بارعاً في تشخيص الأوضاع في دارفور، وتحدث بإشفاق ممزوج بالتحدي، موضحاً أن مشوار التفاوض كان شاقاً إلا أن مشوار إنفاذ اتفاق الدوحة هو الأكثر صعوبة ومشقة.. عقب الندوة بحوالي شهر واحد أضاء "السيسي" إشارة برتقالية اللون محذراً من (تلكؤ) الحكومة في الإيفاء بتعهداتها لصندوق إعمار دارفور البالغة (200) مليون دولار.. وكان "السيسي" يخاطب البرلمان بشأن سير انفاذ وثيقة سلام دارفور، وشدد الرجل على أن المال يشكل حجر عثرة في انطلاق السلطة الاقليمية لدارفور.. كذلك أعلن "السيسي" رفضه أن تعامل السلطة الإقليمية لدارفور كوحدة حكومية تستجدي المال من وزارة المالية.. وللحقيقة أن الرجل يواجه صعوبات تقعده عن تنفيذ المشروعات التي بشّر بها مواطني دارفور.. وفي مفارقة تشبه جدلية (البيضة الدجاجة) يقول "السيسي" إن عون المانحين الدولي والاقليمي في إعمار دارفور مرهون بالتزام الحكومة السودانية بتسديد المبلغ القاعدي البالغ (200) مليون دولار. لاشك أنه على الأرض حدث تقدم كبير واستقرت الأوضاع الأمنية لكن لسان حال "سيسي" يقول ليس بالأمن وحده يعيش إنسان دارفور وحتى هذه مهددة اليوم، فالحاجة إلى الأمن والمال بالطبع ماسة وملحة، الأمر الذي يلقي مسؤولية كبيرة على الحكومة والوسطاء ولابد أن يتفق الجميع على حل جدلية (البيضة والدجاجة).. على الوسطاء والمانحين أن يضعوا في اعتبارهم المستجدات التي غلّت يد الحكومة السودانية ولم تكن في الحسبان ومساعدتها على توفير المال اللازم.. النجاح الذي تحقق يحتاج لحراسة وصيانة لتمضي وثيقة الدوحة قُدماً. • آخر الكلام: هناك علاقة طردية بين تقديم حكومة جنوب السودان "باقان أموم" ليتصدى للتفاوض مع السودان، وبين عدم رغبتها في سلام دائم ومستدام مع الخرطوم.. كل ما ظهر "باقان" في الصورة تأكد عدم رغبة جوبا في السلام.