لم يكف الدارفوريين الحرب، والنزوح، والحمى الصفراء، لتأتي الأخبار بالأمس مؤكدة تفشي الملاريا بينهم .. لتكتمل مأساة هؤلاء البشر .. الذين تكالبت عليهم المصائب من كل ناحية وصوب ! وزير الصحة بولاية وسط دارفور، عيسى محمد موسى، شكا في تصريح نشرته (الصحافة) أمس من نقص كبير في الأطباء والاختصاصيين في مستشفيات الولاية، مطالبا بتوفير معينات الملاريا المتعلقة بالمعامل وزيادة الكادر الفني لتقوية التقصي للمرض . التصريح لم يشر إلى عدد الحالات المرصودة للمرض، لكن السلطات الصحية الولائية كشفت أن جميع المستشفيات استقبلت حالات متكررة من الملاريا وسط المواطنين . بصراحة .. تزيد قناعتي كل يوم .. بأن ما عاناه مواطنو دارفور في فترات مضت .. هو ما يرمي بآثاره الكارثية الآن على دارفور وسكانها، وأن التهميش المريع الذي لم يخل منه إقليم، هو الذي قاد لانزلاق الأوضاع بدارفور إلى النزاع المسلح .. الذي يدفع كل السودان الآن فاتورته الباهظة غصبا عن أنف الاقتصاد المترنح ! كنت دائما أقول إن معظم النار من مستصغر الشرر، وما زلنا نذكر المبررات والتفسيرات الساذجة التي كانت تتوارى خلفها الحكومة قبل سنوات .. من أن الأمر في دارفور لا يعدو كونه مواجهات مع عصابات النهب المسلح .. لتتكشف الحقائق لاحقا، وليعرف كل العالم، رغم أننا كنا آخر من يعلم، أن المشكلة أعمق كثيرا مما كان يقال ويروّج له . ولأن الدائرة شكل هندسي يصعب تحديد بدايته من نهايته، تداعت مشاكل دارفور، ووصلت إلى ما وصلت إليه من ترد في كل الأوضاع وعلى كل الأصعدة، ليصل الأمر أخيرا إلى (عافية) الناس، فتلتهمهم الحمى الصفراء حينا من الدهر، لتأتي الملاريا أخيرا، وتكمل سيناريو المعاناة التي لا تبدو لها نهاية ! بصراحة .. فرحت لأن وزارة الصحة الولائية قالت في صلب الخبر إن الحمى الصفراء بدأت في الانحسار، وهو خبر يجعل كل الناس في مختلف ولايات السودان يتنفسون الصعداء، فهذه الأمراض الوبائية لا تستثني أحدا، ولا تعرف حدود الولايات، فهي قابلة للانتقال في كل الأنحاء، وانحسار المرض، سواء بجهد حكومي، أو بعوامل طبيعية أخرى .. أمر يجعلنا نحمد الله ونشكره على نعمائه ولطفه . لكن تبادل الأدوار يبدو واضحا في المأساة الدارفورية، فانحسرت (الصفراء) لتأتي الملاريا، وغدا ربما تذهب الملاريا، أو تبقى، مع ورود ضيف أشد وطأة على القلوب .. لا نعرف ما سيسببه من آلام لأبناء ذلك الجزء العزيز من الوطن . أظن أن بصيص الأمل الذي يبدو في نهاية النفق المظلم، وهو تنفيذ اتفاق الدوحة بكل عناوينه العريضة وتفاصيله الدقيقة، بحاجة لاهتمام أكبر، وأظن أن الحكومة، التي ما زالت تحاول التلكؤ في دفع التزاماتها المترتبة على الاتفاق وفق ما أكده رئيس السلطة الانتقالية في دارفور في وقت سابق، مطالبة بإنفاذ ما وافقت عليه وبصمت بأصبعها التزاما به، وإلا فإن عليها عدم التباكي من عدم التزام الآخرين من دول العالم بالتزاماتهم، فما دامت الحكومة وهي المعني بتنفيذ الاتفاق قد رفعت يدها عن الأمر .. فحري بالآخرين أن يتنصلوا من أي التزام . دائرة المعاناة كبيرة، وملاريا دارفور مؤشر جديد على استمرار المحنة !