رغم فجيعتها .. لم تفاجئني الزيادة التي أنشبت أظفارها في كبد الدواء .. والتي رفعت سعر الأدوية بدءا من عشية الاحتفال بالاستقلال المجيد .. بنسبة 30%. الزيادة أمر متوقع، فالدواء في الأصل غير موجود، والموجود لا يعرف أي استثناءات أو مراعاة لظروف إنسانية أو صحية ضاغطة .. تسببت فيها بكل أسف أخطاء الساسة المتنفذين، وترجمتها السلطات المالية والصحية على شكل ماكينة تعتصر الناس حتى إسالة زيتهم ! لكن ما يفجع فعلا، أن تبلغ الزيادة حدود الثلاثين بالمائة .. في وقت تختفي فيه الأدوية .. وترتفع المؤشرات لبروز سوق مواز للدواء .. ليصبح لدينا (سوق ظل) في حكومة الدولار التي تسيطر على السوق. لكن الفجيعة تبلغ ذروتها حين تأتي الأخبار .. مشيرة إلى (انعدام) عقار الأنسولين والضغط من الساحة، لتصبح المسألة الآن ليست شحاً في أدوية منقذة للحياة .. أو ارتفاعا في أسعار هذه الأدوية .. إنما (انعدام) لتلك الأدوية .. وفقا لما جاء في خبر (المجهر) أمس، والذي كتبته الزميلة صاحبة المصادر الموثوقة الأستاذة فاطمة عوض . الخبر المفجع .. أكد أن مصادر طبية .. "أكدت انعدام أدوية طبية منقذة للحياة بالصيدليات كالأنسولين وأدوية الضغط، في وقت أضافت فيه وزارة المالية رسماً يبلغ 1% يدفعها مستوردو الأدوية .. عند إجراءات تخليص الأدوية عبر المجلس القومي للأدوية والسموم". طبعا الرسوم التي يدفعها مستوردو الأدوية .. سيتم تحميلها في النهاية للمريض، وهي خطوة في إطار الخطوات المتلاحقة للتنصل من حق المواطن في أمنه الصحي، لكن ذلك يهون أمام اختفاء الأنسولين وأدوية الضغط، وأدوية أخرى ألمحت إليها المصادر ولم تشر لها تحديدا . مثل هذه المعاناة تحيل الحياة من أمر (صعب) إلى أمر (مستحيل)، ولا أعرف أولوية يمكن أن تعلو على أولوية الصحة .. مهما كانت الإيرادات شحيحة . أظن أننا بحاجة لخطة تعيد ترتيب الأولويات، وإذا كانت الميزانية قد صدرت .. فهي ليست كتابا منزلا حتى لو أجازها البرلمان بالصفقة والتهليل، فما حاجتنا لميزانية .. تستهدف المواطن في حياته .. وتعرضه للهلاك بانعدام الدواء .. أو بحرمانه منه بسبب أسعاره التي تجعله بعيدا عن متناول اليد . الجائزة .. والتدبر أتفق مع الرأي الحكيم .. بأن جائزة الخرطوم الدولية للقرآن الكريم، مناسبة لإحياء التدبر في القرآن، ومعانيه العميقة التي تجمع ولا تفرق، في زمن يعاني فيه المسلمون من التشرذم، والتفرق في معسكرات وخنادق، سواء كان ذلك في السودان، أو في غيره من بلاد العالم . أظن أن الدكتور عبد الرحمن محمد علي سعيد، الامين العام لجمعية القرآن الكريم، كان صائبا وهو يؤكد لنا وقد جالسناه أول أمس .. بأن تلاوة القرآن شيء مطلوب، وأن الاستماع له شيء مطلوب أيضا، ولكن الأهم من كل ذلك أن يتحول القرآن لمنهج حياة .. نتدبر فيها معانيه، ونلتزم بنهجه .. فيشفى الإنسان والمجتمع من كثير من الأدواء. الجلسة حضرها الاساتذة أيمن سرور الأمين العام للجائزة، ووليد محمد أحمد الحاج رئيس اللجنة الإعلامية، ومعتصم السيد هاشم مدير مكتب الأمين العام بجانب زملاء صحفيين، وكانت جلسة ندية بالكلم الطيب، والرؤى المنفتحة تجاه المناسبة القرآنية الكبرى التي تستضيفها الخرطوم الآن في نسختها الرابعة.