خطاب من صحن طائر: "عذرا على تأخرنا كنا نتفرج عليكم منذ قرون"!    ذهب أفريقيا في قبضة 7 شركات.. قائمة ب10 دول تُنتج ولا تستفيد    مجلس المريخ يهنئ معتصم جعفر بفوزه برئاسة الاتحاد السوداني لكرة القدم    شاهد بالفيديو.. ظهور لامين يامال في السودان.. طفل سوداني يتلاعب بزملائه في الملعب ويقدم فنون كروية مذهلة على طريقة نجم برشلونة ومحللون عرب يصوبون أنظارهم نحوه من أجل تسويقه    موعد مباراة ريال مدريد وبوروسيا دورتموند في كأس العالم للأندية    ترامب يعلن موافقة إسرائيل على هدنة بغزة لمدة 60 يوما    مليشيا دقلو الإجرامية اقتحمت (خلاوي خرسي لتحفيظ القرآن الكريم)    التشكيلات المنافقة (قحط _تقدم _ صمود) ماهي إلا حلف جنجويدي مكتمل الأركان    العزل العادل.. يا عادل!!    ترامب: سأكون حازما مع نتنياهو بشأن إنهاء حرب غزة    تنسيقية لجان المقاومة: فك الحصار عن الفاشر لن يأتي إلا بالقوة    كامل إدريس يعلن عزمه عقد لقاء جامع يضم مختلف القوى السياسية والمجتمعية قريباً    عوض بابكر .. بأي دمعٍ نبكيك .. وبأي حرفٍ نرثيك ..!    والي الشمالية يخاطب الجمعية العمومية للإتحاد السوداني لكرة القدم    بعد زيارة رسمية لحفتر..3 وفود عسكرية من ليبيا في تركيا    جوارديولا بعد الإقصاء من المونديال: بونو كلمة سر تأهل الهلال    بالانتصار الخامس.. الهلال يزاحم كبار العالم في المونديال    رئيس الإتحاد العام يصل مروي للمشاركة في الجمعية العمومية الإنتخابية للإتحاد    لماذا يستعصم السفير نورالدين ساتي الصمت بينما تضج الميديا بأخباره    الشباب يكسب النصر ويقترب من الثانية بكوستي    البرهان يتلقى وعدًا من السيسي    مسيرات انتحارية تستهدف قاعدة مروي الجويّة    إدارة المباحث الجنائية بشرطة ولاية الخرطوم تسدد جملة من البلاغات خاصة بسرقة السيارات وتوقف متهمين وتضبط سيارات مسروقة    السودان يشارك في بطولة العالم للألعاب المائية بسنغافورة    جهاز المخابرات العامة في السودان يكشف عن ضربة نوعية    السودان.. خبر سعيد للمزارعين    جهاز المخابرات العامة في السودان يكشف عن ضربة نوعية    لقاء بين"السيسي" و"حفتر"..ما الذي حدث في الاجتماع المثير وملف المرتزقة؟    مزارعو السودان يواجهون "أزمة مزدوجة"    الجيش السوداني يستهدف مخزن ذخيرة للميليشيا ومقتل قائد ميداني بارز    رسائل "تخترق هاتفك" دون شبكة.. "غوغل" تحذّر من ثغرة خطيرة    بعد تصريحات الفنان شريف الفحيل الخطيرة.. أسرة الفنان الراحل نادر خضر تصدر بيان هام وعاجل.. تعرف على التفاصيل كاملة    مصادرة"نحاس" لصالح حكومة السودان    بالتنسيق مع الجمارك.. خطة عمل مشتركة لتسهيل وانسياب حركة الوارد بولاية نهر النيل    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    مِين فينا المريض نحنُ أم شريف الفحيل؟    تيم هندسي من مصنع السكر يتفقد أرضية ملعب أستاد حلفا الجديدة    إبراهيم شقلاوي يكتب: خميس الفكرة والنغم وتقرير المصير!    تعثّر المفاوضات بين السودان وجنوب السودان بشأن ملف مهم    جار التحقيق في الواقعة.. مصرع 19 شخصًا في مصر    مصري يطلق الرصاص على زوجته السودانية    لاحظت غياب عربات الكارو .. آمل أن يتواصل الإهتمام بتشميع هذه الظاهرة    كيف نحمي البيئة .. كيف نرفق بالحيوان ..كيف نكسب القلوب ..كيف يتسع أفقنا الفكري للتعامل مع الآخر    السودان..قرار جديد لكامل إدريس    شاهد بالصورة.. الإعلامية السودانية الحسناء شيماء سعد تثير الجدل على مواقع التواصل بالبنطلون "النمري"    تراثنا في البازارات… رقص وهلس باسم السودان    يعني خلاص نرجع لسوار الدهب وحنين محمود عبدالعزيز..!!    مكافحة المخدرات بولاية بالنيل الابيض تحبط محاولة تهريب حبوب مخدرة وتوقف متهمين    استدعاء مالك عقار .. لهذا السبب ..!    مزارعو القضارف يحذرون من فشل الموسم الزراعي بسبب تأخير تصاديق استيراد الوقود    أسهم الخليج تتجاهل الضربة الأمريكية    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طرائق ورقائق
حسن فضل المولى يكتب :
نشر في المجهر السياسي يوم 23 - 03 - 2019

مرات قليلة تلك التي طاوعت فيها قلمي..وفي كل مرة كتبت ، جاء ذلك نتيجة إحساس طغى وغلب
فكان كتابي: (هذا الشيء) ورسالتي: (ويسألونك عن صلاح إدريس) ومخطوطة: (النداء قبل الأخير) والتي لم تر النور بعد..واستجابةً لهاتف مِلحاح هاأنذا أسوق هذه المُناجاة.. وأعتذر لأرباب القلم على هذه الجُرأة وهذا التطاول وأنا أسرح وأمرح في واديهم .
لقد تفتحت عيناي على الدنيا في الكتياب ..والكتياب بلدة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء .. رجالها أشداء أوفياء .. ونساؤها عابدات قانتات .
ومنذ الشهقة الأولى في حِماها جاءت مسيرة حياتي على امتدادها وثرائها وليدة مصادفات .. دون عزم مني أو إرادة.. أمكنة ومراحل الدراسة.. محطات العمل.. أقرب الناس إليّ.. الكسوب والمنافع.. كان قدري يقود خُطاي .. وكنت أمشي في دروب الحياة راضياً مطمئناً ، لا أضع لنفسي خطوطاً حمراء في التعامل مع الآخرين فكل إنسان عندي مُكرمٌ ومُقدر ..
ومن الكتياب الثانوية العامة شددت رحالي إلى “الدامر” الثانوية العليا …وأحدث قليلاً عن “الدامر” ..هواؤها يشفى العليل وإنسانها جميل ..وإلى سوقها العتيق تتدافع الإبل من كل فج عميق ..تلفها سكينة هي بعض (بركات) نار المجاذيب ..و(حنة الدامر) تمنح سواداً يُغري ويُمتع ويُبهر ..فيها أدمنت شرب الشاي في قهوة (تقلاوي) .. وانتظار قطار كريمة في محطة السكة حديد .. حباً في كريمة التي تعلق بها قلبي منذ وقت مبكر (بدون أي سبب) مع أنني لم أرها حتى اليوم إلا مروراً عابراً .
وفي الدامر حُظيت بمعرفة أحد الصالحين الأخيار “محمد صالح الحسنابي” والذي كنت كلما ذهبت إليه في متجره بسوق “الدامر” يهبني عشرة جنيهات فأتمنّع وأنا راغب فيها لحاجتي إليها فيصر عليّ لأعود بها وكأنما حيزت لي الدنيا بأسرها ..
(1)
ووجدت نفسي متورطاً في رئاسة اتحاد طلاب “الدامر” الثانوية وكنت مقتنعاً بأنني لا أملك ما يؤهلني لهذه المهمة، لذلك تجدني كثيراً ما أسأل نفسي : ما الذي أدخلني في هذه المتاهة ؟؟ وهو سؤال ظل يلازمني حتى اليوم في كل أمر أوكل اليّ ..
هكذا مضيت أطوي المراحل الدراسية إلى أن احتضنتني جامعة أم درمان الإسلامية دارساً للإعلام الذي لم أحدّث به نفسي يوماً..وولوجي لهذه الجامعة له قصة ، فمنذ صغري نشأت على حب المريخ ، وكنت أثناء العطلات التي أقضيها في أم درمان لا أترك مباراة أو منشطاً طرفه المريخ إلا و أرد مبكراً وأكاد لا أنصرف ، ولما جلست لامتحان الشهادة السودانية في “الدامر” الثانوية العليا كانت رغبتي الوحيدة كلية الآداب بجامعة الخرطوم .. وأذكر أنني بعد أن فرغت من امتحان الجغرافيا وأثناء استلام المراقب لكراسة الإجابات ، سحبتها من بين يديه لأصحح إجابتي بوضع “ممبسا” بدلاً عن “دار السلام” ، مستبدلاً الصواب بالخطأ لأفقد بذلك الدرجة التي حالت بيني وبين جامعة الخرطوم ، إذ كانت درجة القبول لكلية الآداب آنذاك(225) درجة ، وكان نصيبي من الدرجات (224) ، فعزمت على أن أعيد الكَرة العام المقبل ولم أكن راضياً بالالتحاق بقسم الإعلام بجامعة أم درمان الإسلامية والتي قسمها لي مكتب القبول ..
قبل بدء الدراسة بأيام سألت عن موقع الجامعة وذهبت لمعاينتها عصراً فأيقنت بعد رؤيتها أنها الجامعة التي تناسبني تماماً لقربها من استاد المريخ .. ولهذا السبب وليس لغيره راقت لي الدراسة في الجامعة الإسلامية ، إلا أن أقدامي لم تطأ أرض استاد المريخ أو حرمه إلى أن غادرت الجامعة وذلك لانشغالي بالعمل في اتحاد الطلاب .
وفي الإسلامية اكتسبت من الصداقات والمعارف والقدرات ماعجم عودي ..ونشطت في العمل العام ..وخفق قلبي بالحب ..وأراحتني كثيراً الإعانة الشهرية التي كانت تخصصها الجامعة لطلابها والتي لولاها لما كنت سأنعم بدراسة جامعية مستقرة .. بعدها تقاذفتني المطارح خارج السودان مدرساً باليمن ومعيداً بقسم الإعلام بجامعة الإمام “محمد بن سعود” بالرياض ثم قسم الإعلام بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
وبعد عودتي للسودان قضيت أعواماً بمنظمة الدعوة الإسلامية وفيها عاصرت ثلاثة من أعظم وأقوى الرجال :-
مبارك قسم الله .
عبد السلام سليمان .
دكتور/ الأمين محمد عثمان ( أمد الله في عمره) .
وثلاثتهم كانوا يسارعون في الخيرات ..
يطعمون الطعام ويبذلون الكساء ويهيئون المأوى للمساكين والمحتاجين والمحرومين ، وينشئون المساجد والمدارس والمشافي فدخل الناس على أيديهم في دين الله أفواجاً في أدغال ومجاهل أفريقيا .
والمنظمة جمعتني بجمال الوالي .. وجمال منذ أن عرفته هُوَ هُوَ ..رفيق ورقيق وشفيق وأنيق وذو وجه طليق ..يستعجل في إنفاق ما يأتيه من مال حتى تكاد تشفق عليه وتقول لسائله اتق الله فيه ..وتجده يسبقك إلى المسرات وهو في المقدمة عند كل نازلة وواقعة .
وخلال عملي في المنظمة كمدير للعلاقات العامة كنت أول من استقبل “أسامة بن لادن” عند سلم الطائرة في أول زيارة له للسودان لتقديم العون لدرء آثار السيول والفيضانات في العام 1988، ورافقته في عدد من لقاءاته مع المسئولين وكنت أقوم بتدبير بعض أموره ..وكان عالماً ومتواضعاً ولطيفاً في تعامله ، يغمرك باهتمامه وكان كثيراً ما ينصحني ونحن نجوب أحد المباني أن أصعد درج السلم درجة درجة وألا أتجاوز واحدة لأن ذلك أحفظ للسلسلة الفقرية .
ومرة أهديت إليه عسلاً وكان جالساً على الأرض في غرفته بفندق هيلتون (كورال) فجذبني إلى جانبه وأنشأ يحدثني عن أنواع وفوائد العسل حديث الخبير .
وكان لا يشاهد التلفزيون .ويأكل قليلاً ..ويعمل كثيراً ..وتبدو عليه المسكنة لدرجة أنني لم أكن أتوقع أن هذا الرجل النحيل الحيّي الزاهد سيقيم الدنيا ولا يقعدها متبعاً منهجاً في التغيير لا أُقِره .
(2)
ومن المنظمة يممت وجهي شطر تلفزيون السودان الذي قبلت العمل فيه بعد تردد وتأبى وذلك تهيباً وإشفاقاً ..وفترتي فيه تحتاج إلى ما يقارب طبقات “ود ضيف الله” للإحاطة بتفاصيلها ومكنوناتها ..لكني تعلمت كيف أغزل خيوط البدايات المشرقة ..وكيف أستبين الغث من السمين ..وكيف أصمد في وجه الأعاصير ولعل أعتى الأعاصير ما تلفحك من تلقاء النفوس ..وكيف أتعهد المواهب والناشئة بالرعاية والسُقيا ..وكيف أنأى بنفسي عن الأضواء ومزالق الأنانية .. وكيف أتعامل مع (البخاصم يوم ويرجع يوم .. تقول أقدارنا في إيدو) .
بعد عشر سنين نواضر دفعت باستقالتي لما رأيت أنه يحسن بي أن أفعل ذلك مُخلياً المكان لمن هو أحق به مني..لم أمكث طويلاً حتى (ناداني) صديقي “عبد الدافع الخطيب” أو (عبدو) كما يحلو للأخ (النِحرِير) “صالح محمد علي” أن يناديه (ورجل نحرير.. رزين فطن حاذق)، وعبد الدافع الخطيب وأنت معه كمن يجلس إلى حامل المسك.. فهو كالنخلة في طيب ثمرها واستقامة عودها وحسن هيئتها وخيرها الذي كل ما أتاك منه نفعك..وحملني ذلك النداء إلى مصر مستشاراً إعلامياً لسفارة السودان بالقاهرة.
وهبطت أرض مصر..ولحسن حظي عملت في كنف السفير “أحمد عبد الحليم” ..وعم أحمد عندما تقترب منه تعرف كيف تكون أخلاق النبلاء وكيف يكون صنيعهم .. هو الندى والتجرد والزهد ..كان يعاني من مرض عضال لا يعرفه إلا المقربون إذ أنه لا يشتكي ولا يضجر.وهو معلول كنا نستمد منه العافية والقوة والأمل .. كان يجلس الساعات الطوال يحدث ضيوفه بمنزله العامر حديث العالم الواعي بمآلات الأحداث وعواقبها ، فلا يمَل ولا يمَلوا .
ولما كنت مقرباً منه يخصني ببعض أسراره ، فإني أشهد أنه قد لقي ربه وهو مدين ، عارياً مما يتباهى به الناس ويكنزون، هذا هو “عم أحمد” ، ولكننا أمة لا تعرف أقدار بنيها ..
وطفقت أتقلب في نواحي قاهرة المعز، وأغوص في أحشائها لثلاثة أعوام ونصف.. كانت بطعم (الحلو مر).. يوم في السما ويوم في الأرض.. فعلاوة على بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها، فإن ما تخفيه وتطوي عليه جوانحها أعظم ..
تستهويك أشياءها ..وتستهويك المصرية ..المصريات الناعمات القاتلات المُحييات المُبديات من الدلال غرائب ، (والوصف للمتنبي)
مصر سبّاقة في الجد واللعب..تلقاك بألف وجه..بكل المباهج والمعارف والمعازف والمتاحف والتراتيل والتهليل وشم النسيم.
تجد السيدة “زينب”.. “الأزهر”.. “محمد متولي الشعراوي”.. “إحسان عبد القدوس”.. “أم كلثوم”.. “فيفي عبده”.. “عبد الحليم حافظ”.. “شعبولا”.. ألخ..وأنت في مصر تمر بك أوقات توقن فيها أنه لو كان في الأرض إنسان واحد سعيد لكنت أنت ذلك الإنسان.. وتحاصرك أوقات تقول فيها لو أنه في الأرض إنسان واحد (شقي) لكنت ذلك الإنسان ..

كنت (مبسووووط) وانا (أتمرغ) في تراب أم الدنيا.
أعيش أوجاعها ومسراتها..
أتذوق طعم كل ما تمتد إليه يدي..
أغشى نواديها وأولياءها وسادتها ونجومها اللوامع ..
وأرتاد مطاعمها … قدورة ، نعمة ، فرحات ، الجحش، صبايا، أبوالسيد … وفنادقها .. ماريوت ، سميراميس ، موفمبيك ، هيلتون رمسيس ، حيث شهدت برفقة أخي صلاح إدريس إكمال صفقة موبيتل (زين) مع السيد محمد فتحي إبراهيم (مو) بحضور السيد أسامة داؤود ..
ومناراتها .. الأهرامات .. الأوبرا ، برج الجزيرة ، القلعة ، مدينة الإنتاج الإعلامي ، الأهرام ، روز اليوسف ، ماسبيرو …
وأتمشى في شوارعها .. شارع جامعة الدول ، عرابي ، البطل أحمد عبد العزيز ، طلعت حرب ، السودان ، عباس العقاد ، شارع شهاب ..
وأشهر أسواقها ومتاجرها … خان الخليلي ، العتبة ، عمر أفندي ، التوحيد والنور ..
وأحطت نفسي بثلة من إعلامييها وناشطيها الذين ينغمسون في الشأن السوداني … د. حنان يوسف ، حمدي رزق ، محمود حسين ، أسماء الحسيني ، صباح موسى ، هاني رسلان .. الخ ..
وممن جلست إليهم في بيوتهم … الأبنودي ، د. أماني الطويل ، محمد منير ..
وأنا سادر هكذا أصل ليلي بنهاري يباغتني النداء: أن حيَّ على السودان..
يومها كنت كعادتي مسترخياً في أحد مقاهي حي الزمالك العريق.. وأجمل مافي مصر مقاهيها التي لا يغمض لها جفن..
وأي مقهى يجسّد صورة مصغّرة للحياة في مصر..
كنت مستغرقاً مع كوكب الشرق وهي تتغنى برائعة الشاعر السوداني الهادي آدم :
أغداً ألقاك يا خوف فؤادي من غدِ
يا لشوقي واحتراقي في انتظار الموعد..
يا سلاااام ..
قلت يومها: وأنا يا ترى أي غدِ وأي موعد ينتظراااني ..
ومن هناك قصدت مسرعاً د. أمين حسن عمر لأرافقه للمطار بعد أن شارك في اجتماع مجلس إدارة قناة النيل الأزرق بوصفه مديراً للهيئة السودانية للإذاعة والتلفزيون ورئيس اللجنة التنفيذية لقناة النيل الأزرق ..
وكبري 6 أكتوبر يهبط بنا شيئاً فشيئاً إلتفت إليَّ قائلاً:
(ياخوي عايزنك ترجع لقناة النيل الأزرق) وأردف مازحاً (العرجا لي مراحا) .
صمتُ قليلاً ثم قلتُ.. (جداً) لم أزد ولم يزد..
ود. أمين كلما إقتربت منه غمرتك فيوضات تحيا بها وتمتلئ حتى المِشاش، ولن تنأى بك عنه تلك الأحكام القاسية التي يدمغك بها عندما تأتي بما لا يُحمد أو بما لا يروق له بل تدنيك إليه أكثر وأكثر حتى تكون بين يديه بمثابة (الحُوار) .
وتهيأت لفِراق مصر ..
وكان الأمر شاقاً وعصياً خاصةً وأنني لم أكمل بعد سنيّ انتدابي ..
إنتزعت نفسي من بين أضلعها..
وأنا أردد مع مجذوب أونسة كلمات عبد الرحمن بكراوي
جيت أوادعك يالقماري
ما خلاص شديت رحالي
قولي للمشتاق ورايا
الرحيل ما كان بإختياري
وعزائي ..
( ياني يا نيل ليك راجع
منك أشرب وأطفي ناري)
وأنا أُقبّل ذا الجدار وذا الجبين
(3)
كنت (مبسووووط) وانا (أتمرغ) في تراب أم الدنيا..أعيش أوجاعها ومسراتها..أتذوق طعم كل ما تمتد إليه يدي..أغشى نواديها وأولياءها وسادتها ونجومها اللوامع ..وأرتاد مطاعمها … “قدورة” ، “نعمة” ، “فرحات” ، “الجحش”، “صبايا”، “أبوالسيدط … وفنادقها .. “ماريوت” ، “سميراميس” ،” موفمبيك” ، طهيلتون رمسيس” ، حيث شهدت برفقة أخي “صلاح إدريس” إكمال صفقة موبيتل (زين) مع السيد “محمد فتحي إبراهيم” (مو) بحضور السيد “أسامة داؤود” ..ومناراتها .. الأهرامات .. الأوبرا ، برج الجزيرة ، القلعة ، مدينة الإنتاج الإعلامي ، الأهرام ، روز اليوسف ، ماسبيرو …وأتمشى في شوارعها .. شارع جامعة الدول ، “عرابي” ، “البطل أحمد عبد العزيز” ، “طلعت حرب” ، “السودان” ، “عباس العقاد” ، شارع “شهاب” .. وأشهر أسواقها ومتاجرها … “خان الخليلي” ، “العتبة” ، “عمر أفندي” ، “التوحيد والنور” ..وأحطت نفسي بثلة من إعلامييها وناشطيها الذين ينغمسون في الشأن السوداني … د. “حنان يوسف” ، “حمدي رزق” ، “محمود حسين” ، “أسماء الحسيني” ، “صباح موسى” ، “هاني رسلان” .. الخ ..وممن جلست إليهم في بيوتهم … “الأبنودي” ، د. “أماني الطويل” ، “محمد منير” ..
وأنا سادر هكذا أصل ليلي بنهاري يباغتني النداء: أن حيَّ على السودان..يومها كنت كعادتي مسترخياً في أحد مقاهي حي الزمالك العريق.. وأجمل ما في مصر مقاهيها التي لا يغمض لها جفن..وأي مقهى يجسّد صورة مصغّرة للحياة في مصر..كنت مستغرقاً مع كوكب الشرق وهي تتغنى برائعة الشاعر السوداني “الهادي آدم” :
أغداً ألقاك يا خوف فؤادي من غدِ
يا لشوقي واحتراقي في انتظار الموعد..
يا سلاااام ..
قلت يومها: وأنا يا ترى أي غدِ وأي موعد ينتظراااني ..ومن هناك قصدت مسرعاً د. “أمين حسن عمر” لأرافقه للمطار بعد أن شارك في اجتماع مجلس إدارة قناة النيل الأزرق بوصفه مديراً للهيئة السودانية للإذاعة والتلفزيون ورئيس اللجنة التنفيذية لقناة النيل الأزرق ..وكوبري 6 أكتوبر يهبط بنا شيئاً فشيئاً ألتفت إليَّ قائلاً:(ياخوي عايزنك ترجع لقناة النيل الأزرق) ، وأردف مازحاً (العرجا لي مراحا) . صمتُ قليلاً ثم قلتُ.. (جداً) ، لم أزد ولم يزد..
ود. “أمين” كلما اقتربت منه غمرتك فيوضات تحيا بها وتمتلئ حتى المِشاش، ولن تنأى بك عنه تلك الأحكام القاسية التي يدمغك بها عندما تأتي بما لا يُحمد أو بما لا يروق له بل تدنيك إليه أكثر وأكثر حتى تكون بين يديه بمثابة (الحُوار) .
وتهيأت لفِراق مصر .. وكان الأمر شاقاً وعصياً خاصةً وأنني لم أكمل بعد سنيّ انتدابي ..انتزعت نفسي من بين أضلعها..وأنا أردد مع “مجذوب أونسة” كلمات “عبد الرحمن بكراوي”:
جيت أوادعك يا القماري
ما خلاص شديت رحالي
قولي للمشتاق ورايا
الرحيل ما كان باختياري
وعزائي ..
( ياني يا نيل ليك راجع
منك أشرب وأطفئ ناري)
وأنا أُقبّل ذا الجدار وذا الجبين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.