عقد من الزمان مر على أزمة دارفور التي انطلقت شرارتها الأولى في مارس 2003م من منطقة (قولو) بأعلى مرتفعات جبل مرة بواسطة حركة سمت نفسها تحرير دارفور، وسرعان ما تحولت إلى حركة تحرير السودان لتظهر بعدها حركة العدل والمساواة قبل أن تنشطر حركة تحرير السودان إلى جناحي (مناوي وعبد الواحد نور)، لتتواصل عملية الانشطارات والتشرذم والتفكك وسط الحركات المسلحة حتى فاق عددها (30) حركة حسب المراقبين. وبالمقابل أزيلت بعض الحركات عن الوجود مثل (جبهة الخلاص)، واختفى قادة مشهورون عن مسرح دارفور وآخرون ظلوا يتنقلون بين حركة وأخرى، ودخلت القضية في تعقيدات استحال حلها، واستمرت المعاناة حتى الآن رغم مرور عشر سنوات من عمر الأزمة، وخلال هذه السنوات تم توقيع أكثر من (10) اتفاقيات داخلية وخارجية بين الحكومة والحركات المتمردة، أشهرها اتفاقيتي (أبوجا والدوحة)، لكن لم تفض تلك الاتفاقيات إلى سلام حقيقي على الأرض لفشل بعضها وخروج موقعيها وعودتهم للغابة مرة أخرى بسبب عدم التنفيذ من قبل الطرف الآخر، بجانب أن بعضها لم يحظ بإجماع المتمردين عليها علاوة على أن بعض الاتفاقيات لم تسلم بنودها من تدخل الأيادي الخارجية، حيث أكد المراقبون أن المبعوث الأمريكي (ناتسيوس) كتب بعض بنود اتفاقية أبوجا فيما كتب المجتمع الدولي نصوص وبنود الدوحة، ويرى المراقبون أن تدويل القضية كان من أبرز المعوقات التي أطالت أمد الأزمة لأكثر من عشرة أعوام عجاف. { الواقع في دارفور بين اليوم وأمس لا يخفى على أحد حجم الدمار والخراب الذي خلفته الأزمة بدارفور على مدى العشر سنوات الماضية، لم يسلم منه إنسان أو حيوان أو مورد أو مشروع تنموي، وحتى العادات والتقاليد وثقافات المجتمع لم تنج من آثار الأزمة، حيث قتل الآلاف من المدنيين والعسكريين دون أن تكون هناك إحصائيات رسمية لا من أجهزة الحكومة السودانية ولا المؤسسات ذات الصلة من الأممالمتحدة، بجانب نزوح مئات الآلاف من مناطق القتال والاستقرار بمخيمات جوار المدن الرئيسية، التي شكلت أبرز أوجه المعاناة الإنسانية التي فرضتها الحرب وتوقفت التنمية والخدمات ما أدى إلى تدافع العشرات من المنظمات الدولية إلى دارفور للمشاركة في تخفيف وطأة الأوضاع الإنسانية، وصارت قضية دارفور أكبر أزمة تشهد تدافعاً دولياً بسبب الهالة الإعلامية العالمية الكثيفة التي سلطت عليها، كل هذه الآثار خلقت واقعاً مريراً اختلط فيه الحابل بالنابل بدارفور، حسب المعطيات على الأرض، المتمثلة في انفراط عقد الأمن والصراع القبلي الذي لم تسلم منه أية قبيلة، بجانب الوجود الأجنبي الكثيف، والمجتمع المتناحر مليء بالغبن والمرارات علاوة على واقع فرضه وجود مجتمعات غريبة عن بعضها البعض في بعض الممارسات والعادات في مخيمات متداخلة.. كل هذه المعطيات فجرت ممارسات وفظائع لم يألفها مجتمع دارفور من قبل فظهرت جرائم الخطف بغرض الابتزاز والنهب والسطو المسلح داخل المدن وخارجها، والتصفيات الجسدية شملت أرجاء دارفور كافة. { جنوب دارفور.. واقع أكثر ضبابية هذه الممارسات أصبحت أمراضاً تعانيها بشكل جلي ومقلق ولاية جنوب دارفور إلى يومنا هذا، ففي خلال الشهرين الماضيين نشطت في الولاية التفلتات الأمنية، وتنوعت الجرائم التي تم ارتكابها من خطف وقتل ونهب وسطو وتهديدات من قبل الحركات التي اقتربت من حاضرة الولاية نيالا بصورة تشبه التحدي للأجهزة الأمنية التي يتحدث قادتها غداة زيارتهم إلى مدينة نيالا بأن الحكومة بصدد إعلان الولاية خالية من التمرد بعد عشر سنوات من اندلاعه. لكن كثر الحديث هذه الأيام في المدينة عن وجود قوات الحركات المسلحة في مناطق متفرقة بالقرب من حاضرة الولاية نيالا، هذا الحديث تؤكده بعض الممارسات التي تقوم بها الحركات في بعض المناطق، حيث ردوا على تصريحات وزيري الدفاع والداخلية خلال زيارتهما للولاية الشهر الماضي بتنفيذ عدد من الخروقات الأمنية، أعلنها في اليوم الثاني للزيارة والي الولاية "حماد إسماعيل" الذي عدّ تلك الأحداث رسالة حاول المتمردون عبرها إثبات وجودهم بالولاية، كما دارت معارك بين القوات الحكومية وقوات من الحركات بمناطق محلية بليل بالاتجاه الجنوبي الشرقي من حاضرة الولاية نيالا. وأشارت مصادر إلى أن قوات الحركات المسلحة ظلت ترابط في الطرق التي تربط حاضرة الولاية نيالا ببعض المحليات، خاصة طريقي (نيالا- برام) و(نيالا- الفاشر)، وتفرض على المسافرين الرسوم والجبايات وتتزود منهم بالوقود. وأبان عدد من المواطنين الذين يستخدمون طريق (نيالا- برام) أن عناصر من الحركات المسلحة منذ مدة ظلت ترابط في المناطق الواقعة بين محلية برام وحاضرة الولاية نيالا، وتفرض مبلغ (250) جنيهاً على العربات التجارية والسفرية بالطريق، وتأخذ من كل عربة (جركانتين) وقود. وفي ذات المنحي ترابط قوات أخرى في طريق (نيالا- الفاشر) وتوقف البصات السفرية وتفرض عليها (250) جنيهاً وتتزود منها أيضاً ب(جركانتين). في ظل هذا الواقع الذي استمر لعقد من الزمان، يتساءل المواطنون عن النتائج التي جناها الإقليم من الأزمة، ويقول المواطن "محمد يوسف" الموظف بإحدى المؤسسات بنيالا إن الأزمة أحدثت تحولات سلبية كبيرة، إلا أنها حققت لأهل دارفور فرصة لتمثيل مرضٍ في السلطة على مستوى المركز بتولي (4) وزارات اتحادية ونائب رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى سلطتين، انتقالية بموجب أبوجا وإقليمية وفق الدوحة، وقال إن هذا التمثيل استفاد منه الأفراد الذين تولوا المناصب فقط.. وبالمقابل أدت الأزمة إلى تدهور الوضع الأمني، ومعاناة إنسانية، وتفكك في النسيج الاجتماعي، وإفقار للمجموعات السكانية، وإهدار للموارد، وتوقف العمل في مشروعات تنموية حيوية خاصة طريق الإنقاذ الغربي، وتحول جزء كبير من سكان الإقليم المنتجين إلى متلقين للمساعدات والمعونات، بجانب أن الأزمة أثرت على حركة التجارة بين الإقليم والخرطوم، حيث اعتادت الحركات المتمردة الاعتداء بشكل مستمر على القوافل التجارية رغم الحراسات المشددة، ما أدى إلى عدم انسيابية وصول البضائع والمواد الاستهلاكية، الأمر الذي خلق أزمات في مدن دارفور من وقت لآخر.