ليس هنالك من فعل داهم وداوٍ وشديد البأس يمكن أن يقدم عليه إنسان ك(الانتحار)، إذ إن الذي يقدم عليه لا بُد أن يكون قد فقد الأمل بالحياة، وبالتالي لا يريد الاستمرار بها فيقرر الانسحاب إما بهدوء أو بقوة تجعله حاضراً إلى وقت أطول في (حكاوي) الناس والصحف اليومية ومحاضر الشرطة. ولأن الانتحار ظاهرة تفشت في مجتمعات كثيرة وبصورة يومية واسعة وكبيرة، بوصفه أحد الحلول الناجعة والناجزة للتخلص من الأعباء المختلفة، حسب بعض من يطلق عليهم المجتمع وصف (ضعاف النفوس). إلاّ أننا لم نكن لنتطرق إليه في مساحة كهذه لولا أن معدلاته المرصودة (رسمياً)، وغير المنظورة (المخبأة) عن دفاتر الإحصاء، أصبحت في تزايد مطرد، خاصة لدى الفتيات اللائي يعانين من مشاكل أسرية، أو عاطفية، خاصة عندما تكتشف أن الإنسان الذي تحبه يخونها ويعبث من روائها، فتعمد إلى إفناء ذاتها بالتخلص من نفسها. ومن خلال (عملي) بقسم الجريمة والحوادث سنحت لي فرص الاحتكاك المباشر ب(مشارح) المستشفيات المختلفة بالعاصمة الخرطوم، وتعرفت على أن كل (يوم) جديد يشهد أكثر من حالة انتحار، أحياناً لأسباب معلومة وواضحة، وأحايين لأسباب (مجهولة) كون المنتحرة أو المنتحر أمسك عن الإفصاح عنها قبل اتخاذه قرار الرحيل. وفي هذا السياق حري بنا الإشارة إلى أن الانتحار يمارس عبر طرق ووسائل مختلفة، لذلك دعونا نذهب مباشرة إلى ذوي الاختصاص والعلاقة المباشرة بهذا الموضوع (الخطير) لنتعرف على بعض تفاصيله، خاصة وأن هذه الظاهرة أصبحت تتزايد بوتيرة سريعة. { بلدغة الثعبان.. "كيلوباترا" أشهر انتحار!! وفي هذا الخصوص يقول الدكتور "صابر حسن مكي" نائب مدير مشرحة مستشفى الخرطوم، إن الانتحار ظاهرة موجودة في كل المجتمعات بمختلف عقائدها وثقافاتها، وعبر الأزمنة والعصور كافة منذ ما قبل التاريخ وفجره وحتى يومنا هذا، ولعل أشهر انتحار تاريخي هو انتحار "كيلوباترا"، حيث يقال إنها استعملت لدغة الثعبان، وأضاف: تختلف وسائل الانتحار باختلاف المجتمعات وثقافاتها والوسائل المتاحة لها. وقد وُجِد أن هناك علاقة بين سلوك الشخص اليومي والوسائل التي يختارها للتخلص من نفسه، فالعسكريون مثلاً يميلون إلى استخدام الرصاص، والعاملون في الحقل الطبي يستعملون الأدوية وهكذا دواليك، واستطرد د. "صابر": أما من ناحية النوع (الجنس) فإن الرجال عموماً يميلون إلى الوسائل العنيفة كالشنق، بينما تفضل النساء الوسائل (الناعمة) إن صح التعبير، فيتوجهن إلى السموم ك(صبغة الشعر) وخلافها. { (شبة المنتحر) يهدد به ولا يفعله!! أما عن دوافع الانتحار- يواصل د. "صابر"- فهي عديدة وعصيّة الحصر، لكن دعوني أتطرق إلى أهمها وأكثرها حضوراً، مثل الأمراض النفسية كالاكتئاب والمشاكل الاجتماعية والمادية (أسباب اقتصادية)، وغيرها، كما يلعب (ضعف الإيمان) حسب د. "صابر" دوراً مهماً في إنهاء الحياة على هذا النحو، ويمضي قائلاً: هنالك ما يعرف ب(شبه الانتحار) لدى الأشخاص الذين يتظاهرون بأنهم يريدون الانتحار، ويلوحون بذلك دائماً، ويريدون لفت الأنظار إليهم، كي يكونوا موضع اهتمام ورعاية وتعاطف من قبل الآخرين، ومعظم هؤلاء لا ينتحر في الحقيقية. { النساء هن الأكثر انتحاراً!! وفي معرض رده على سؤالنا عن ما هي أكثر الوسائل استخداماً في الانتحار، كشف (نائب مدير مشرحة مستشفى الخرطوم) عن أن أكثر الوسائل المُستخدمة في الانتحار هي السموم والشنق والغرق وقطع الأوردة الدموية بأدوات حادة، وأردف: وفي الغالب تكون الأسباب المفضية إلى ذلك إما مشاكل الاجتماعية بصفة عامة، أو اقتصادية، أو عاطفية، وأضاف: مع ذلك نجد أن بعض الفتيات من أعمار متفاوتة يملن إلى استخدام الصبغة، وأغلبية الرجال ينتحرون شنقاً، لكن النساء هن الأكثر ميلاً نحو الانتحار. { (9) نساء مقابل رجل واحد من جهته عدّ المقدم شرطة د. "عامر صادق محمود" مسؤول السموم بالمشرحة، عدّ الضغوط الاجتماعية وغلاء المعيشة سببين رئيسين يفضيان إلى العنف الأسري وما يصاحبه من طلاق، وهروب الزوج من المسؤولية إلى مناطق أخرى، وأكد المقدم "عامر" ازدياد نسبة الانتحار في السودان، بقوله: لقد انتشر في الآونة الأخيرة بكثافة وتنوعت أدواته أداوته. وأعرب "عامر" عن أسفه وقلقه من تزايد نسب الشروع في الانتحار خاصة بين النساء من الفئة العمرية ما بين (14 إلى 35) سنة، وكشف عن أن الإحصائيات أوضحت أن نسبة الشروع في الانتحار ازدادت ما بين الأعوام من (2000 إلى 2005م)، وأن أكثر الوسائل المستخدمة في ذلك كانت صبغة الشعر، إلى جانب وسائل أخرى مثل المبيدات الحشرية، وهذه نادرة الحدوث. { طفلة مشنوقة بضاحية الفتيجاب وختم موضحاً بأن المقارنة بين انتحار النساء والرجال أظهرت أن (9) نساء يحاولن الانتحار مقابل رجل واحد، كاشفاً عن أن من أغرب الحالات التي مرت عليهم أن طفلة تبلغ من العمر (5 سنوات) تم العثور عليها مشنوقة بمنطقة الفتح بأم درمان وهذه قصة مؤثرة.