** القانون .. أى قانون ... ليس نصا فحسب .. بل هو نص وروح .. ولايخلو أى نص قانونى من تلك الروح .. والحصيف هو من يستخدم النص في مقام يستدعي ذلك ، والروح فى مقام آخر يستدعى تلك .. وليس من الحصافة التمسك بنص القانون فقط وإلغاء روحه نهائيا .. فان كانت المصلحة العامة تجبر الدول على تعديل دساتيرها وقوانينها ، فانها ترغم البعض أيضا على استخدام روح القانون دون إلغاء النص .. فالمصلحة العامة هى التى تقرر التعديل أو استخدام النص أو الاكتفاء بروح النص .. نموذج .. بعض آبائي المعاشيين - الله يديهم الصحة والعافية - يزعجهم أن يطالبهم صندوق المعاشات بين الحين والآخر بإبراز شهادة معتمدة بختم اللجنة الشعبية تثبت أنهم على قيد الحياة.. حتى لو ذهب المعاشي - بشحمه ولحمه وروحه - وشكلا حضورا باهيا أمام الموظف ، فالموظف لايعترف بحياته مالم يستلم منه شهادة اللجنة الشعبية التى تقر بأن المعاشي الذي يقف أمامه حي يرزق .. نعم ، قد يكون هناك نص قانوني يلزم الموظف بذلك ، أى نص يلزمه بفحص شهادة تثبت حياة معاشي حى يرزق ويقف أمامه بكامل هندامه وقواه العقلية .. فالموظف هنا يلتزم بنص القانون ، بيد أن المقام يستدعي استخدام روح النص أيضا .. فالغاية من شهادة اللجنة الشعبية هى أن يذهب مال المعاش لمن يستحق وهو المعاشي ، وبما أن المستحق هو الحاضر - مادا بطاقته الشخصية - فان المقام يلزم الموظف استخدام روح النص ، وليس النص فحسب .. هذا نموذج فقط لاغير ، وعلى سبيل المثال ليس إلا .. ولا أظن بأن الأمر يرهق أبائي المعاشيين ، وكذلك على صندوقهم ألا ينزعج أيضا ..!! ذاك النص القانونى - في قانون المعاشات - ليس إلا مدخلا لمناقشة نموذج نص قانونى آخر تنفيذه - حرفيا - يؤرق مضاجع بعض اخوانى الطلاب وأسرهم .. أصل قضيتهم هكذا يا وزارة التعليم العالي .. هم كانوا يدرسون في جامعات العراق قبل الاحتلال .. أكثر من مائتي طالب سودانى .. مثل كل الأجانب - وبعض أهل العراق - هربوا من جحيم الحرب وفروا بأرواحهم تاركين خلفهم فى بلاد الرافدين حلما لم يتحقق .. حلم التخرج بشهادات الجامعات العراقية .. أمريكا التى دمرت العراق ، دمرت أحلام هؤلاء الطلاب أيضا وقتلت الطموحات الخضراء في نفوسهم .. فعادوا الي وطنهم مرهقين بعد أن دفنوا حلم التخرج بشهادات الجامعات العراقية هناك ، كما دفنت صواريخ أمريكا الأطفال والنساء في الملاجئ والملاذات التي كانت آمنة.. عادوا الي وطنهم .. ثم واصلوا رحلة العلم والمعرفة عبر جامعات وطنهم .. وحسنا عملت وزارة التعليم العالي بتوزيعهم على جامعات البلاد .. ليواصلوا فيها دراسة تخصصاتهم .. وحسنا عملت وزارة التعليم العالي بعدم تأخيرهم عاما .. سعداء الحظ واصلوا هنا من حيث انتهوا هناك .. وتفرقت بهم الجامعات السودانية فى ولايات السودان المختلفة .. بعضهم تخرج بعد عام ، والبعض بعد عامين ، وهكذا .. حيث كان السواد الأعظم منهم قاب قوسين أو أدنى من التخرج هناك ، ولكن لعن الله النفط الذي تسبب فى احتلال العراق وعدم تخرج طلابنا هناك .. المهم .. تخرجوا فى الجامعات السودانية بكل يسر ، وهم على ذلك من الشاكرين الله ثم وزارة التعليم العالي .. ولكن ... يالهذا الحرف المحبط ، والذي يؤكد بأن الحلو - في بلدى - آخره ...« مر » ...!! ** هؤلاء الطلاب رغم تخرجهم هنا هم عاجزون عن الالتحاق بوظائف هم تخصصوا فيها .. فالوظائف تشترط عليهم توثيق شهاداتهم ، والجهة المناط بها توثيق تلك الشهادات هى وزارة التعليم العالي ، ولكنها ترفض التوثيق لسبب غريب جدا .. تطالبهم بتفاصيل نتائج السنوات التى درسوها في الجامعات العراقية .. اتصلوا بالسفارة السودانية لتساعدهم فى البحث عن تفاصيل نتائج سنواتهم فى الجامعات العراقية ، فوجدوا أن السفارة ذاتها قد هربت مثلهم من نار الحرب واستقرت في الأردن .. فعاد الطلاب الي وزارة التعليم العالى فحدثوها باستحالة أمر احضار تفاصيل سنوات دراستهم من العراق فى ظرف كهذا ، حيث الداخل الى بغداد مفقود والخارج منها مولود .. ولكن وزارة التعليم تتمسك بنص القانون وترفض التوثيق مالم يأتوا بتلك التفاصيل من بلاد المقتول فيها لايعرف القاتل ولا السبب .. هكذا حال هؤلاء الخريجين.. استقبلتهم الوزارة ثم وزعتهم على جامعاتنا ، فتخرجوا فيها ، ولكنها ترفض توثيق شهاداتهم بحجة « تنقصها تفاصيل سنوات الجامعات العراقية » .. وبكل براءة ينصحهم أحد موظفى التوثيق بأن يسافروا الي العراق بحثا عن التفاصيل .. تأملوا هذه النصيحة.. لو كان الموظف حصيفا لاستخدم روح القانون فى هذا المقام بدلا عن تعريض أرواح الطلاب للمخاطر بتلك النصيحة البلهاء .. وإن كان لابد من السفر والبحث عن التفاصيل وسط تلك المعارك العراقية ، فيجب على وزير التعليم العالي - أو من ينوب عنه - أن يفعل ذلك .. أليس هو ولى أمر الطلاب ..؟؟ إليكم - الصحافة -الاثنين 28/7/ 2008م،العدد5427 [email protected]