عندما جادت الرياح بما تشتهي السفن، سارت مراكب (المتسلقين) فصاروا من اصحاب المال ومالكي العقار .. ولكن عندما فتحت لهم الدنيا ابوابها على مصرعيها .. تلفتوا حولهم في حيرة ف فقة المرحلة يحتاج ايضا ل (زوجة المرحلة) وهي تلك الزوجة (المودرن) التي تستطيع أن تلمّع صورة زوجها في المجتمعات الراقية، وتصلح ل حضور المؤتمرات وسفر البعثات وتتقن فن التعامل واسرار البزنس، وتكون لزوجها خير معين في سفرياته للصين وتايون وماليزيا .. فجمالها وثقافتها و(دردحتها) تكفيه شر (شرطة العين) التي قد تسببها له الزوجة القديمة ال ( زمانا فات وغنايا مات) .. لذلك ومن باب حرصهم على العدل والانصاف، قسّموا الواجبات والتكاليف بين الزوجتين .. فجعلوا للأولى ادارة الشئون الداخلية من حفظ النسل وتربية العيال، وجعلوا للثانية مشقة الشئون الخارجية من اللف والسفر والاجتهاد في اكمال صورة الجيهة والوجاهة. لم يكن الحب هو ما جمع بين قلبي (عبد القادر) و(صالحة) ودفعهما لتتويج العلاقة بالزواج، فالقسمة هي ما جعلت والدة (عبد القادر) تختار (صالحة) تلك الفتاة الصغيرة الهدية ورضية ال (من اليد للخشم) لتكون زوجة لابنها الجامعي بمستقبله الواعد .. لم تهتم (صالحة) باتمام دراستها الثانوية بعد انتقالها من قريتهم للخرطوم مع زوجها الشاب .. ولم تشعر بحوجتها لذلك، فطوال سنين زواجها التي تجاوزت العقدين من الزمان، كانت (صالحة) لا تجد متسعا من الوقت ل (حك) رأسها، ناهيك عن التفكير في ما فاتها بتخليها عن سلاح (الشهادة) ولا عن حوجتها ل (العمل الطيب) الذي يقوي موقفها ويؤمن مستقبلها من غدر الزمن .. فطوال تلك السنوات كانت (غرقانة ل الشوشة) في مهمتها المقدسة لحفظ النسل بجعل (كل حول بي زول) فانجزت خلال تلك المدة من الأزوال ثمانية من بت لي ولد .. طوال سنين انشغال (صالحة) بالانجاب وعنت التربية، ومشقة خدمة ضيوفهم من أهل القرية الذين كانوا يلوذون بكرم ضيافتها وحسن ملاقاتها، كلما دعتهم الظروف لزيارة الخرطوم .. طوال تلك السنوات كان نجم (عبد القادر) يواصل الصعود لسماوات النجاح والتميز فصار رقما لا يمكن تجاوزه في حسابات مجتمع الصفوة والاصفياء. كان (عبد القادر) يفتقد مشاركة شريكة حياته، كلما دعته الضرورة الاجتماعية للظهور برفقتها .. فالاجهاد والتعب جعل منها شريكة ل الجداد في نوم المغارب، وحتى عندما تضغط على نفسها وتتفرغ لصحبته، كانت تعاني من الخجل والانطواء وعدم المقدرة على التفاعل مع محيط زوجها الجديد، حتى يئس من محاولة جرجرتها لتصحبه، فارتاحت من الهم دون أن تسأل عن السبب .. . ظلت (صالحة) في (أضان طرش) حتى تبرع لها الواشون بخبر زواجه من غندورة جامعية مثقفة لتعوضه ب (الشدة واللضة) التي تمتلكها عن ما فشلت فيه (صالحة) .. لم تغضب (صالحة) أو تنهار باكية كما توقع من حمل لها شمار الخبر، بل استمرت في القيام بواجباتها في رعاية عيالها وضيوفها حتى عاد (عبد القادر) في المساء متأخرا كعادته التي دأب عليها مؤخرا .. لم تشعره بأي تغير في تصرفاتها وانما انتظرت حتى انتهى من عشائه وتمدد على السرير فجلست أمامه في هدوء وقالت: أنا عايزة أسألك سؤال واحد بس ما أكتر .. وعايزاك تجاوبني عليهو بصراحة .. ممكن؟ اجابها في تردد: شنو الحركات الجديدة دي؟ .. طبعا تتفضلي تسألي عن أي حاجة واكيد حا أجاوبك بصراحة .. من متين أنا قاعد أكضب عليك ؟!! قالت بحزم واختصار: عايزة اسألك .. انت صحي عرستا يا عبد القادر؟ ضاق صدره من قوة المفاجأة، ورغم انه كان قد هيأ نفسه للحظة المواجهة تلك، إلا أنه احس بيد قوية تعتصر قلبه .. تلجلج برهة قبل أن يجمع كفيه بقوة وهو يقول: ايوة عرستا. لم تبكي أو تثور كما توقع بل قامت من جواره بهدوء وغادرت الغرفة وهي تقول: بس خلاص .. أنا كنتا عايزة اسمعا من خشمك ! دامت حيرة (عبد القادر) من ردة فعل (صالحة) طوال نهار اليوم التالي، لتحل محلها (الخلعة) الشديدة، عندما رن جرس باب الشقة الفاخرة التي استأجرها لعروسه عصرا .. فعندما فتح الباب فوجيء بابنائه الثمانية يدخلون في صف طويل كانت تقف في نهايته (صالحة) .. توزعت دهشته بين رؤيتهم وبين روعة ال (نيو لوك) الذي أظهر ما طمرته الشقاوة من جمال (صالحة) التي قالت في هدوء وثقة: استلم .. ديل أولادك خلي عروسك التبقى عليهم عشرة .. أنا راجعة البلد !! لطائف - صحيفة حكايات [email protected]