لم تكن هذه المرة الأولى التي يرى فيها الناس بت الشايب وهي تعدو خلف أطفال الحلة لإسكاتهم عما كانوا يتهامسون به أمامها من حديث لا تجرؤ هي على قوله أمام شخص آخر( أمشو تمشو لي ورى إنشاء الله، إتوا أُماتكُن طالقاتنكُن للهملة وقِل الشغلة) ويستمر الأطفال في مكاواتها وتستمر في العدو خلفهم وحث التراب على رؤوسهم لكن لا أحد يجرؤ على سؤالها او ردها عما تفعل خوفاً من لسانها ويدها، فقد كانت إمرأة قوية البنية تصارع الرجال أحياناً وتتغلب عليهم وكان بعض الرجال يغيرون طريقهم ان وجدوها في احد أزقة الحلة ويخافون من حدة لسانها فليس هناك كبير أمام بت الشايب( الحاضر يكلم الغايب انا ما في زولاً مالي عيني والكبير الله احسن تتورعوا سمح)، ورغم ذلك فهي خدومة تتقدم المجالس وتطهو الطعام في الأفراح والوفيات، كانت مشيتها على الأرض قوية ودخولها على البيوت كفيل بإسكات أي صوت، كانت بت الشايب تعيش وحدها ليس لها زوج او أبناء إرتحل أقاربها وظلت مع والدتها المريضة تخدمها الى ان ماتت فخلى عليها البيت ورغم أنها قوية وشجاعة لكنها كثيراً ما كانت تبكي ليلاً بحرقة وتندب حظها العاثر، فصوتها الغليظ وأطرافها الكبيرة الحجم كانت مثار تعليقات خافتة من نسوة الحلة( إتِ آبتول مالن إيدين بت الشايب وكرعينها ديل كُبار كدي تقول عليها كانت دايرة تجي راجل لكن الواطة أصبحت عليها) ترد بتول على ام زين محذرة مما تقول( عليك الله كان تجيبي سيرة المرة دي تجي ناطة فينا هسي والله ما تعرفي راسك من كرعيك) لكن ام زين تواصل (حلفتك بالله شفتي شعرها المرة دي؟) (واتِ شعرها دايره بيهو شنو ماشة تناسبيها) ( اناسبها فوق منو يختي، لكن في العرس ما بتدي الشبال زي باقي نسوان الحلة) ( والشبال دا دايرلو شعر ما ياهن ديل كلهن زايداتنو بالسلة الفارز ليهو شعر منو؟) (خلي الشعر نان كدي تقول عليها راجل ما شفتيها بتدق الرجال كيفن وفي رجال بخافو منها عديل كدي)( والله يا بت امي ماني عارفة حاجة كدي أمشي ليها واسعليها واسمعي من خشمها لأضانك) (بري يا يمة ابرى واستبرى دايراها تلحقني الرقدوا ما قاموا) ( أكان كدي خلاص امسكي عليك خشمك قبل ما يوديك القبر) تتكرر هذه الهمسات الخافتة داخل كل بيوت الحلة لكنها لاتصل الى أُذن بت الشايب( المرة دي من امها ماتت قاعدة براها دحين دايرين نشوف ليها راجل يعرسها ويقعد معاها في البيت الكبير دا، أي نعم بقت كبيرة على العرس الا لكن ما بنخليها تقعد براها الله بسعلنا منها ونحن وليانها بعد امها وابوها مشوا لدار الآخرة ونكون ردينا الجميل وما قصرنا فوق بتنا تب) حاج أحمد كبير الحلة الذي جمع رجالها ليستشيرهم ويبلغهم بعزمه على تزويج بت الشايب حتى لاتعيش بقية عمرها وحيدة وهي التي خدمت كل بيوت ومناسبات الحلة( والله آآحاج احمد ان ما بخاف الكضب اقول بت الشايب ماها مرة) تلاقت عيون الرجال بدهشة لكنهم سكتوا وانزلو عيونهم للأرض دون ان ينبس احدهم ببنت شفة فقد كان هذا احساسهم جميعاً، ( شن بتقول آآعلي ود حمدنا الله الحديت دا جبتوا من وين؟) ( مالكُن ما شايفنها بتكاتل في الرجال كيفن وتغلبُن، كمان في مرة بدق ليها راجل) يرد عليهو حاج أحمد بقوة( كان الله اداها قوة اتو مستكترنها عليها ولاشنو؟ حديت متل دا تاني ما أسمعوا)امتعض بعض ممن كانوا في المجلس وتململوا خوفاً من إصدار حاج احمد قراراً بتزويج بت الشايب من أحدهم، وكانت قرارات حاج احمد صارمة ولايُعقب عليها احد في كل ما يخص قضايا الحلة، الا في هذا الأمر إذ اصبح تذمر الرجال مسموعاً قال عباس مستبقاً قرار حاج احمد،( علي بالطلاق اكان أدوني ليها ومعاها عشرة ما بدورا) وعباس رجل محبوب من الجميع وهو مكان إحترام وتقدير اهل المنطقة لخدمته وتعاونه مع الناس وقد توفيت زوجته قبل عام ولم يتزوج ولذا كان خائفاً ربما لأنه أقرب المرشحين لظروفه الخاصة إذ لم يبقى من أولاده بجواره الا أصغر بناته التي خُطبت وتم تحديد موعد زفافها،،،انتهره حاج احمد(دا قول شنو آآعباس كيفن ما بتشبه النسوان؟) رد عباس ( آآي ما بتشبه النسوان دي بتشبه الرجال نسوان شنو البتشبهن) ضحك الحاضرين في ديوان حاج احمد لكنهم استدركوا سريعاً فوجموا حينما أطلق عليهم حاج أحمد نظرة آمرة، وقبل ان يتحدث اليهم خرج عباس تاركاً وراءه سؤالاً كبيراً حول مدى موافقته على الزواج من بت الشايب ان قرر حاج أحمد هذا الأمر. حكاوي عن الشخوص والأمكنة [email protected]