** ما لم تكن قد سقطت من ذاكرة الناس ، معتمد بارا كان قد منع إمام مسجد بارا العتيق عن إمامة المصلين عقب خطبة عيد الأضحى الفائت التي طالب فيها الأمام ولاة الأمر هناك ببعض ضروريات الحياة التي من شاكلة : المياه ، الكهرباء ، الصحة ، المدارس وغيرها ..خطبته أغضبت المعتمد فأقاله ، فغضب الأهل هناك والصحف هنا ، فتراجع المعتمد عن قراره وعاد الإمام الي منبره .. هكذا كان الحدث ببارا ..!! ** ذات الحدث يتجدد اليوم بسيناريو آخر في أم روابة التي تبعد عن بارا مسافة : فركة كعب..وكأن ولاة أمر الناس بمحليات شمال كردفان لا أشغال لهم ولا مهام غير تعكير صفو المصلين بالتدخل غير الحميد في أمر مساجدهم ومنابرها ..قرية أم عشوش التي كثافتها السكانية تقترب الي الثلاثة آلاف نسمة تعيش حدثا غريبا منذ نصف عام .. ولأنها بعيدة عن مراكز صناع القرار - وكذلك الصحف - تصطلي وحدها بنار الحدث الغريب ، حيث لا وجيع لآمالها وآلامها إلا أهلها الغبش ..فلنشاطرهم بأضعف الإيمان .. البوح ..!! ** أم عشوش ، كما السواد الأعظم من أرياف بلادي ، تعيش حياة البساطة في كل شئ ..ترتوي بمياه آبار قديمة وتستضئ بالقمر والنجوم ..وأهلها لربهم شاكرون ، وعند مواقيت الصلوات الخمس يؤدونها بمسجدهم المبني من عشب الأرض وسيقان أشجارها ..هكذا حالهم المتوارث جدا عن أب عن ابن عن حفيد ..فأكرمهم الله بأبناء أخيار ، تعلموا وارتقوا فى مراقي الحياة ، فأرادوا أن يردوا بعض الجمائل لقريتهم وأهلهم بالبحث عن وسائل تنمية وتطوير بعض مرافقها ..وهم يبحثون ، عثرت نواياهم الطيبة على محسن عربي تكفل بتكاليف بناء مسجد القرية بمواد بناء يحل فيها الأسمنت محل الطين والسيخ محل الخشب .. !! ** وفرح الأبناء وأهلهم بأم عشوش بهذا الإحسان ، وابتهلوا لله بصالح الدعاء للمحسن العربي الذي قابل دعواتهم بالمزيد من الإحسان ، حيث تكفل بجانب بناء المسجد ببناء مركز صحي ، رياض أطفال ، مدرسة قرآنية .. وكذلك تبرع للأهل بمحطة مياه تحل محل آبارهم القديمة ، وبمحطة كهرباء تضئ لياليهم المظلمة ..هكذا أكرمهم الله بتسخير أموال هذا المحسن العربي حين قصدوه بنية بناء بيت من بيوت الله ، فأكرمهم بالمزيد ، جزاه الله خيرا وإحسانا .. شرعت لجانهم في التنفيذ بعد إكمال كل التصاديق المطلوبة ، الولائية منها والمحلية ..وكانت ضربة البداية مسجدهم الذي جاء اليهم بكل هذا الخير والبركة ..!! ** ولكن .. فجأة ، وبلا أي سابق إنذار ، أصدر معتمد أم روابة قرارا - بتاريخ 8 فبراير - يقضي بايقاف العمل فورا في بناء المسجد ، وتجميد كل التصاديق الصادرة في هذا الشأن .. فغضب الأهل وسلكوا فى غضبهم سلوكا حضاريا ، حيث تقدموا بشكاواهم الى المجالس التشريعية و الوالي السابق .. وبعد التحري والتقصي ، قررت كل تلك الجهات الغاء قرار المعتمد والتوصية بمواصلة العمل فى بناء المسجد ..حيث قالت توصية لجنة فيها أعضاء من المجلسين التشريعيين ، الولائي والمحلي ، نصا : إيقاف بناء مسجد أم عشوش من قبل المعتمد يجب مراجعته لتعارضه مع قوله تعالى « ومَن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى فى خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم » ..هكذا قالت اللجنة التشريعية بتاريخ 21 فبراير .. أي ، بعد أسبوع من قرار الإيقاف .. فتراجع المعتمد عن قراره ، بل زار القرية وبات مع أهلها ليلة ، وغادرهم مساء اليوم التالي بعد أن اعتذر لهم على قرار الإيقاف.. وقبل الأهل اعتذار معتمدهم ، ثم واصلوا عملية البناء ..!! ** ولكن .. فجأة أيضا ، وبلا أي سابق إنذار أيضا ، زارهم الوالي الجديد - الاستاذ محمد أحمد أبوكلابيش - عصر الجمعة الفائتة ليخطرهم شفاهة بقراره الجديد القاضي بايقاف عملية بناء المسجد ..فتوقف العمل منذ الجمعة الفائتة ، وحل محله غضب الأهل هناك وحزنهم ..هكذا الحال اليوم .. قرية أكرمها الله بمحسن تبرع لأهلها بمسجد ، مدرسة ، مركز صحي ، محطة مياه ، محطة كهرباء و رياض أطفال ..ولكن ولي الأمر يعيق العمل .. لماذا قرار الإيقاف الأول ثم لماذا قرار الإيقاف الثاني ..؟.. هكذا تسأل نفسك عزيزي القارئ ..؟..والإجابة بكل بساطة : إنها السياسة .. نعم قرار الايقاف سياسي ، والمعتمد يعرف ذلك وكذلك الوالي .. ولن استرسل إلا مذكرا الوالي بمصير رئيسه الأسبق جعفر نميري عليه رحمة الله ، ومعزيا في الوقت ذاته.. وناصحا إياه بأن : المرء لايحاسب في قبره عن عجزه في جمع كل الناس في حزبه السياسي ، ولكن يحاسب عن منعه لبعض الناس عن بناء مسجد يذكر فيه اسم الله ، نعم يحاسب المرء على منع هذا البعض ، حتى ولو كان هذا البعض فردا أو اثنين .. ناهيك أن يكون البعض قرية كثافتها السكانية تعد بالآلاف .. واللهم بلغت فأشهد ..!! إليكم - الصحافة –السبت 13/06/2009 العدد 5734