** قبل عام ونصف تقريبا ، تفاجأت وزارة التربية بولاية الخرطوم بوجود مدارس عشوائية في بعض أحياء الولاية ، وتم تقدير عددها عامئذ بمائة وخمس وستين مدرسة عشوائية ، حيث كان بها خمس وثلاثون الف طالب..وأذكر أن الوزارة شنت هجوما إعلاميا عنيفا عليها وأصدرت قرارا بتجميد القبول بها ، وأيضا ناشدت السلطات العدلية والأمنية بمساعدتها في مكافحة تلك المدارس العشوائية..وهي المدارس التي لم تكن مستوفية لمواصفات البيئة المدرسية الصالحة للتلميذ والمدرس ..وبعض تلك المدارس كانت بيوتا شعبية غير مكتملة الغرف والمنافع ، وحين عجز أصحابها عن إكمالها فكروا في إستغلال غفلة المحليات - وحبها للرسوم - ثم نجحوا في تحويلها إلي مدارس بواسطة تلك المحليات غير المسؤولة ..المهم ، نجحت الوزارة إلي حد ما في الحد من ظاهرة المدارس العشوائية ، وكافحت بعضها وليست كلها ، حيث لا تزال هناك أنقاض تسمى بالمدارس ، يجب التخلص منها بقوانين رادعة تردع أصحابها ورؤساء المحليات التي صادقت عليها وضباطها الإداريين ..( هواة جمع الرسوم ) ....!! ** تلك ظاهرة مدارس عشوائية معترف به رسميا ، ولكن ما لم تعترف بها الجهات الرسمية بعد، هي ظاهرة الكليات العشوائية التي يؤسسها البعض - بلا ضوابط أو معايير علمية سليمة - في جامعاتنا العامة ..والنماذج كثيرة ، ولا أعني فقط كلية التقانة الحيوية بجامعة النيلين والتي سردت مآسي طلابها وخريجيها هنا في حلقات قبل عام ، حيث كان يتخرج خريجها بشهادة أكاديمية غير معترف بها في مجال المهن الصحية التي درسوا علومها بتلك الكلية..هكذا ظل حالهم لفترة تجاوزت الست سنوات ، حتى تم تحويل طلابها - بعد كوراك وجوطة - إلي كلية المختبرات الطبية ، وكأن الغاية من تلك الكلية عند إنشائها كانت هي : ياخي نحن بنديك الشهادة وأنت إتصرف ..هذا نموذج نهج عشوائي ما كان يجب أن يلج إلي مؤسسات التعليم العالي ..!! ** ثم نموذج نهج عشوائي آخر ...مسرح النهج هو جامعة دنقلا التي كان عضو مجلسها وراعيها الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل إلي وقت قريب جدا ، حيث يرأس المجلس حاليا الدكتور الفاتح محمد علي ..بتلك الجامعة كلية تربية مقرها مدينة دنقلا ، ثم كلية تربية أخرى مقرها مروي ..لاتندهش ، بجامعة دنقلا كليتان للتربية ، إحداهما بدنقلا والأخرى بمروي ..ونصحتك بأن لا تندهش حتى تندهش بميلاد كلية تربية ثالثة بذات الجامعة هذا العام ، ومقرها رومي البكري ، مسقط رأس رئيس مجلس الجامعة السابق ..ليست أقساما ولا مدارس ، بل ثلاث كليات ، ولكل كلية عميد وهيئة تدريس ..فقط ما يميز الكلية الثالثة - كلية التربية برومي البكري - هي أنها لاتملك مقرا ولا مكتبة ولا قاعة خاصة لها ولطلابها ، حيث صادقت عليها وزارة التعليم العالي وتركت لراعيها مصطفى عثمان إسماعيل مهمة توفير المقر ، وهذا لم يجد مقرا غير مزاحمة طلاب كلية الشريعة والقانون في مقرهم الكائن برومي البكري ..هكذا الوضع كما أرادت عبقريتهم .. ثلاث كليات تربية في جامعة واحدة ، وطلاب الكلية الثالثة في ضيافة طلاب كلية الشريعة والقانون ، وكأنهم يريدون تحقيق الإكتفاء الذاتي من المعلمين لإفريقيا والعالم العربي ..هكذا ثورة التعليم العالي ، ثورة عالية جدا ، بل أعلى حتى من كل اللوائح والضوابط والمعايير التي تكتسحها كما الثور في مستودع الخزف ..!! ** ثمة أسئلة تتجلى في النموذج الآخير ..هل الغاية من كلية التربية الثالثة بجامعة دنقلا هي تطوير التعليم العام بالبلاد أم تطوير رومي البكري ..؟..إن كانت الغاية تطوير التعليم العام بالبلاد ، ألا تطالب وزارة التعليم العام حكومة البلد - منذ عامين - بإلغاء كليات التربية والعودة إلي المعاهد التي كانت متخصصة في تعليم وتأهيل المعلمين ..؟..إذ كيف تناقض مؤسسات الحكومة ذاتها ، بحيث تطالب بإلغاء كليات التربية بكل الجامعات ثم تؤسس - في ذات الوقت - كلية تربية هي الثالثة بتلك الجامعة..؟..هكذا أسئلتنا إن كانت الغاية تطوير التعليم العام بالبلاد ، أما إن كانت الغاية هي تطوير رومي البكري ، فبالله عليكم ماهي قيمة تلك الكلية لتلك القرية ..؟..وهل الأفضل لتطوير رومي البكري - وتأهيل أهلها وأهل القرى المجاورة لها - إنشاء مراكز تدريب مهني وفصول محو أمية ومشاريع زراعية وصناعية ، أم إنشاء كلية غير مرغوب فيها رسميا بسبب التخضم ..؟..هكذا أسئلتنا ، حيث تصطحب الغاية السامية لكل أهل للبلد وكذلك الغاية السامية لرومي البكري ..ولكن طرائق التفكير غير السليمة ، وكذلك الوسائل غير المشروعة لاتؤدي إبدا إلي الغايات السامية ، عامة كانت أو خاصة ..!! إليكم - الصحافة –الاربعاء 28/10/2009 العدد 5869 [email protected]