الخواجة الشنقيطي فكرة ومؤسسة الأجاويد قديمة وراسخة ومتجددة في كل المجتمعات السودانية؛ لا بل تكاد تكون هي الأصل، أمّا حل المشاكل عن طريق القانون و المؤسسات العدلية فيكاد يكون هو الاستثناء، فحتى قضاتنا مدركون لفعالية هذة المؤسسة.. ففي كثير من القضايا يطلبون من المتخاصمين أن (يباركوها)، ويحلوا المشكلة حلاً أهلياً بعيداً عن المحكمة، و صلت الجودية في السودان المرحلة الدستورية، فكثيراً ما نهض أشخاص للتوسط بين الحكومة والمعارضة أو بين الأحزاب المُختلفة وساطة تنتج عنها معالجات دستورية. ومن أكثر الذين اشتهروا بهذا الأمر الشيخ محمد صالح الشنقيطي؛ وهو من جيل حركة التحرر الوطني الجناح الاستقلالي، فقد لعب دوراً كبيراً في مؤتمر جوبا 1947م الذي عاد بموجبه الجنوب إلى حضن الوطن، وهناك المرحوم فتح الرحمن البشير، والدكتور عبد الحميد صالح فكلاهما لعب دوراً (أجوادياً) مقدراً خفف كثيراً من الصراع السياسي، وجنّب البلاد إراقة دماء كثيرة. أمّا (اليوم العلينا دا) فلا نُبصر من الأجاويد إلا الجنرال الأمريكي سكوت غرايشن مبعوث الرئيس الأمريكي (ود الحسين أبو عمامة) والعهدة على الترابي، والذي بدأ مهمته مكلفاً بدارفور، ولكنّه بدأ (بسياسة بسمارك الداخلية) أي نيفاشا، فكادت زيارته المعلنة أن تقترب من العشرة، ودعا الشريكين كذا مرة إلى واشنطون، وإليه يهرع الشريكان كلما حزب الأمر عليهما. أمّا في ما يتعلّق بدارفور فقد أكثر من التجوال بين إنجمينا وطرابلس وأديس أبابا والدوحة والقاهرة وكلمة وابو شكوك وفاشر ابو زكريا وبالطبع الخرطوموجوبا، لقد أصبح الجنرال مبعُوثاً أمريكياً سامياً لكل الشئون السودانية: دارفور؛ على الجنوب؛ على الانتخابات، على الاستفتاء.. لدرجة أنني فكّرت في طلب اللقاء به لكي أعرض عليه مشكلة مشروع الجزيرة (الضل الوقف ما زاد) لا أدري إن كان الرجل يطمع أن يكون جنرال برايمر السودان أم أنّ هواننا السوداني هو الذي جعله كذلك؟ على العموم ليس في الأمر عجب، فهذا هو الزمان الأمريكي، وقد سُئل جميس بيكر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق بعد انتهاء فترة الحرب الباردة وانفراد أمريكا بالعالم عن حدود الأمن القومي الأمريكي فأجاب بكلمة واحدة (العالم) أي كل العالم، وهذا يعني أنّه لو انكسر (زير سبيل) في اللعوتة الحُجاج فمن حق أمريكا أن تأخذ علماً بذلك، وبيني وبينكم هي أصلاً ماخدة علم ب (قوقل ايرز). آخر محطة توقّف عندها الجنرال متوسطاً هي محطة الانتخابات فقد أصبح فيها صاحب الكلمة النهائية فبعد البلبلة التي أثارها مركز كارتر الذي اقترح التأجيل وقامت الدنيا لم يقعدها إلا تصريح الجنرال (تأجيل ما في) وقد سعى بين الأحزاب المعارضة والحكومة والمفوضية، وقد ذكرنا هنا من قبل زيارته للمفوضية في فبراير الماضي، وكيف أنّهم (كشفوا له) وسعدوا بالعرض له، وقال أحدهم قولاً يشبه (الشريف مبسوط مني) وفي يوم السبت زار المفوضية، ومنها مباشرة إلى المطار قاصداً الدوحة، وقال إنّ (كل حاجة تمام). لا نعتقد أنّ الوساطة التي يقوم بها غرايشن مثل تلك التي كان يقوم بها الشنقيطي وفتح الرحمن وعبد الحميد صالح؛ بل إنّ الرجل يتكتك ويأمر ويطاع (اسحبوا هذا.. ثبّتوا ذلك.. قاطع هنا.. واصل هناك).. يعني هندسة أمريكية. الجنرال تغلّبت عسكريته على دبلوماسيته فلم يخفِ هدفه النهائي وهو الوصول بالبلاد إلى انفصال سلس (وحلو و جميل)، فالرجل استكثر علينا المليون ميل مربع واستكثر علينا فرصة الولايات السودانية المتحدة أم نحن الذين استكثرنا ذلك على أنفسنا فأضعناه؟؟!! صحيفة التيار - حاطب ليل - 6/4/2010 [email protected]