بلا شك أنك يوماً جلست على الكرسي.. طبعاً بالتأكيد ليس الكرسي الرئاسي.. هل فطنت يوماً إلى أن جلستك في أي كرسي تأخذ أبعاد ذاك المجلس.. فإن جلستك على كرسي العمل تختلف عن جلستك على كرسي الضيافة في مجالس المنازل أو الصوالين العامة.. ففي حالة جلوسك في كرسي دوار في رئاسة وحدة أو إدارة أو وزارة أو مؤسسة أكبر.. فإنك في البداية تصاب بحالة «وهمة» على إثرها تأخذ لك لفة أو لفتين على ذلك الدوار ثم تبدأ بعلاقة حميمية مع هذا الكرسي ربما تجعلك المتشبث الأكبر به أو تجعل منك النافر الزاهد عنه.. (عبدو) هذه الأيام يتمجلس على عدة كراسي.. صباحاً على كرسي العمل الرسمي وعصراً على كرسي العمل الشعبي الجماهيري وليلاً على كرسي الهوى والمزاج.. وهناك كراسي وسيطة يجلس عليها ما بين تلك المداخلات الكرسية ولكثرة ما جلس على «متنوع» هذه الكراسي أسموه (عبدو كرسي).. الشئ الذي جعله يفكر حول القاسم المشترك التي جعلته يتذوق طعمه الوثير والعادي.. فوجد «القاسم» أن له لسان لا يعرف الصمت رغم أنه غير صادق فوق الحكمة الضالة «إن الكرسي واللسان صنوان» كرسي الفن! ما أجمل الكلمات التي تبطنت في جوف الكثير من الأغاني السودانية قديمها وحديثها حتى أن بعضها يشخص بعض حالاتنا الوجدانية فتفر منا دمعة عند الاستماع أو تصيبنا حالة من مسيس الشجن التفاعلي فتتركنا على حافة من حواف التأثر كون أن الشاعر والملحن والمغني في ثلاثيتهم شكلوا قوى شفافة تخترق الأوصال وتنتقل بلا جوازات أو اعتمادات الحدود.. فنجلس بذلك على كرسي الفن مترعين بالجمال الصافي والروح السامية والبوح الفياض فنغالب بعضاً من دمعات وأسماعنا ترهف .. يوم رحيلك يا حبيبي.. شفت كل الكون مهاجر.. ثم نهبط بكرسينا من سماوات الطرب إلى أرض الواقع ونجلس تماماً جلساتنا المجردة على كراسي العمل.. البيت.. المواصلات خاصة «كرسي النص». كرسي الدواخل! مجالس دواخلنا تحفل بأنواع وأشكال من الكراسي الإنسانية.. يوماً نجلس على كرسي الخير فتتفجر إنسانيتنا عطايا وحباً للكون كله.. وعندما نجلس على كرسي الشر تطفح حتى على قسمات وجوهنا.. شرور غير محدودة ونبدو دميمي المظهر ومتفحمين من الدواخل. وعندما نلتبس في ذواتنا تصيبنا حالة من الازدواجية وحالة من الانفصام في الشخصية تجعلنا نجلس الشخصية الظاهرة للعيان على كرسي الطيبة واللطف.. بينما تكون أوصالنا تتدعي كرهاً وهي تتمدد على كرسي الداخل الوثير.. فما أشبه حالتنا عند تلك اللحظات بنظرية الساسة فيما يعرف بازدواجية المعايير النظرية التي يتشرق بها ساسة العالم عندما يجلسون في كراسي التحدث والتخاطب ويهاجمون الآخرين بشئ من الظنون وسوء النية واستبطان المؤامرة ويعكسون جزءاً من توجساتهم. كرسي السودان في السودان كرسي لا تجده في كل كراسي العالم.. كرسي يسمح لانشطار البلاد إلى بلدين.. كرسي يسمح بمنازعة ما تبقى من البلد الأم فيما يشبه التبرعمات التي كادت أن تولد كائناً لا يعرف إلى أي الانتماءات يصير.. في بلادنا كرسي لا يوجد في أي دولة من الدول التي من حولنا.. كرسي يكون الجالس عليه كالجالس على جمرة تكتوي فيه كل المطالب المشروعة على سدة الملاحقة والعزلة والضمنية.. ما أحر الجلوس على كرسي كهذا وكل مسمار أو لاصق فيه يجعلك «تنفرك» من الاستراحة عليه.. رغم أن الصالون قد يكون الأجمل.. والأخضر لوناً من صوالين العالم أجمع.. فالأرض تفترش خصوبة الخضرة وبلاط الإنتاج الواعد رغم أن وتيرة الاستفادة لم ترتفع إلى المعدل المطلوب لذا يظل الكرسي حامي الوطيس..لا سبيل لبلوغ منتهى الراحل فيه إلا بتركه والبحث عن كرسي عادي يحتمل الحروقات والإصابات البليغة التي جاءت نتيجة لذلك الجلوس المحفوف بالمخاطر المحاط بكل احتمالات النزع والتجاوز.. وما أصعب أن تجلس على كرسي تحته رمال جائلة وذرات متحركة.. والثبات من الله. آخرالكلام:- حياتنا مجموعة كراسي نجلس عليها وفقاً لمبدأ الحالة المطلوبة.. مرة نجلس في زهو وكبر.. ومرة نجلس منكسرين منحني الروؤس ومرات كثيرة نجلس ولا نعرف أي نوع من الجلسات نحن جالسين.. انظر لوضعك الآن في الكرسي تمدد أو قم منه على عجل أو هاتف نفسك قائلاً: ارحل.. ارحل .. ارحل .. سياج - آخر لحظة [email protected]