مرة أخرى تنجح (لجنة الأطباء) في حشد معظم الأطباء وراءها في الاضراب المهني الذي نفذته بنجاح كبير في الأسبوعين الأخيرين، وأثبتت مقدرتها التنظيمية الفائقة والثقة الكبيرة التى تتمتع بها من قاعدة الأطباء العريضة بمختلف تخصصاتهم ودرجاتهم المهنية وأعمارهم، بالإضافة إلى شجاعتها الفائقة وصمودها القوي وعدم تهيبها من السلطة وأجهزتها الشرسة، رغم كل ما تعرض له أعضاؤها الأشاوس من اعتداءات وحشية وتهديدات مباشرة في مرات سابقة، وإغراءات يسيل لها اللعاب، بدون ان يغير ذلك من مواقفهم المشرفة، وإصرارهم على تحقيق أهدافهم النبيلة في العيش الكريم، وتحسين بيئة العمل التى تردت الى أدنى المستويات؛ بسبب الفساد الحكومي وسياسة الخصخصة التي ضربت العمل الطبي الحكومي في مقتل، وأثرت بشكل كبير على الغالبية العظمى للجماهير التى تعتمد عليه اعتمادا كليا فى الحصول على الخدمات الطبية ..!! * هذا النجاح الكبير الذي حققته اللجنة؛ ومن ورائها القاعدة الكبيرة لعضويتها؛ سواء بتنظيم الإضرابات الناجحة أو انتزاع بعض المكاسب من بين أنياب ومخالب الحكومة، يثبت شيئين مهمين جدا: * الأول، أن اللجوء للوسائل المشروعة وعلى رأسها الإضراب لانتزاع الحقوق المشروعة ليس أمرا صعباً البتة، بل هو سهل جدا إذا سمت الأهداف، وتوحدت الصفوف، فليس بمقدور أية سلطة، مهما كانت درجة شراستها ووحشيتها، الوقوف أمام المطالب العادلة للجماهير والمجاميع التي تنتمي إليها وتمثلها !! * الشيء الثاني هو أن التنظيمات المهنية أو النقابية القائمة في البلاد ما هي إلا تجمعات وهمية هلامية لا حول لها ولا قوة ولا دور أمام التجمعات الحقيقية التي تمثل الإرادة الحرة لأعضائها، وأنها مجرد أصنام أو تماثيل عجوة حكومية تحشدها السلطات كلما اشتاقت لسماع هتافات النفاق من بعض المنتفعين أو الخائفين على مواقعهم، وتأكلها عندما تجوع، وبإمكان أية جماعة أو لجنة مهما كانت صغيرة (أو حتى مكونة من شخص واحد).. متى ما كانت على حق، وتسعى لتحقيق مطالبها وأهدافها المشروعة بوسائل سلمية مشروعة حسب العرف والقوانين العالمية والوطنية أن تفضحها وتكشف هلاميتها وزيف تمثيلها لعضويتها، وعجزها عن تحقيق أي مكاسب لمن تدعي تمثيلهم، وهو ما أثبتته لجنة الأطباء المغوارة إزاء اتحاد الأطباء المزيف والتنظيمات النقابية الأخرى، (بدءا من نقابة المنشأة وحتى قمة الهرم النقابى التى تسمى باتحاد عمال السودان)، التي لم نسمع يوما أنها حققت مكسبا أو منفعاً لأعضائها، أو فعلت شيئا ذا فائدة للبلاد، غير تنظيم مسيرات التزلف و النفاق للحكام ..!! * لقد أثبتت لجنة الأطباء أن الشعب السوداني لا يزال- كما عهدناه- نمراً شرساً لا يخشى شيئا أو أحدا أو سلطة، مهما كانت شريرة، في سبيل انتزاع حقوقه المشروعة، ولقد أعطتنا القدوة والأمل في إمكانية السعي الجاد لتحقيق التطلعات والأهداف المشروعة والصمود والنجاح، وهى تستحق منا كل تأييد وتقدير واحترام ..!!. مناظير زهير السراج [email protected] جريدة الأخبار، 25 مايو 2003