** تابعت بحزن موقفين - لايحسد عليهما أحد – تعرض لهما عملاقين من عمالقة الصحافة العربية، أو هكذا يلقبهم العالم العربي ..ولكن ما حدث لهما يصلح أن يكون درسا لمن يتعلم من تجارب ومواقف الآخرين..جهاد الخازن، الكاتب بالحياة اللندنية، تساءل قبل أسبوع ونيف قائلا : أي خلافة هي التي يتحدثون عنها؟، هكذا كان عنوان مقاله..وكال فيه من النقد والهجوم - على دعاة دولة الخلافة الإسلامية - ما استطاع إليه سبيلا، وقدم سردا تاريخيا لبعض مواقف خلفاء الدولة الإسلامية، واستشهد ببعض أقوالهم وأفعالهم، ولم يتجنب هجومه حتى الفاروق عمر رضي الله عنه، ثم ختم قائلا (الخلافة الوحيدة التي أفاخر بها هي خلافة أبي بكر، ولا أريد أن أرى في أي بلد عربي دولة الخلافة)، هكذا كتب..ثم عاد وكتب، قبل أن يجف مداد تلك الزاوية، تحت عنوان : أسحب مقالتي وأعتذر، بالنص : (لقد أخطأت وأسحب المقال، وأرجو من القراء أن يعتبروا أنه لم ينشر، لأنني سأخرجه من مجموعة مقالاتي وأتلفه، والمقال كُتب الأحد، وهو يوم إجازة في لندن، وليس عندي الباحثون الذين أعتمد عليهم عادة في مراجعة المادة والتحقق من صحة النقل.. وأرجو من الجميع ألا يروجوا له بتبادله ونشره) ..هكذا (بلع الخازن مقاله) ..!! ** الاعتراف بالخطأ ثم الاعتذار ليس بمحزن، بل هذا يدل على شجاعة المرء ونزاهته، ولكن - للأسف - الخازن لم يعترف بالخطأ ولم يعترف به، ولكنه يدعي الذكاء حين يقول (أخطأت وأعتذر)، وكما تعلمون ادعاء الذكاء - على القارئ الحصيف - نوع من الغباء، أو هكذا لسان حال قلم الخازن..كان عليه أن يكون شجاعا ونزيها ويقف عند موقفه من دولة الخلافة، حتى ولو فقد حياته أو راتبه ثمنا لهذا الموقف..أوكان عليه أن يكون شجاعا ونزيها، ويعلن للقراء إعلانا من شاكلة (والله أنا خائف على حياتي وراتبي، ولذلك أصبحت من أنصار دولة الخلافة اعتبارا من اليوم)، ورغم ما في الإعلان من تحقير لنفسه إلا أن القارئ كان سيجد له العذر تحت تبرير (لقد انحنى للعاصفة، مؤقتا)، أو (دعوه يعيش ويربي عيالو).. ولكن الكاتب لم يفعل هذا ولا ذاك، بل واصل في تضليل القارئ بعذر أقبح من الذنب، (الباحثين البرجع ليهم كانوا في إجازة)، أو كما قال.. شو ها العذر يا طويل العمر؟.. تأملوا - بالله عليكم – ذاك العذر المضحك حين يكتبه كاتب أمضى أربعة عقود من الزمان في سوح السلطة الرابعة، وهو العارف بأن أبجديات الصحافة تلزم الكاتب بأن لا يكتب عن جهل..فالرجل ليس بجاهل، ولكن شجاعته ليست بالقدر التي تؤهله بأن يكون من (قادة الرأي العام) في مرحلة الوعي هذه ، أوهكذا تخزن الخازن في مخيلتي منذ أسبوع ونيف، مع الأسف طبعا ..!! ** أما محمد حسنين هيكل، فهذا أمره عجب .. قال للملأ بأنه يمتلك وثائق تثبت امتلاك حسني مبارك وأسرته ثروة ضخمة بالمصارف الأجنبية، فاستدعته السلطات القضائية وقالت له : (هات وثائقك)، فتلعثم قائلا (لا، أنا ما قلتش كدة، أنا قلت اطلعت على تقارير صحفية بتقول كدة)..يا عيني عليك يامؤرخ ويا حسرتي فيك يا شاهد العصر..لقد قلت بأنك تمتلك وثائق، وذهب بك الظن بأن العقول سوف تصدقك، بمظان أن العقول التي تقرأك وتسمعك بمصر هي العقول التي يضللها إعلام العهود الشمولية، بما فيها إعلام عهد ناصر..ولكن خاب ظنك حين تفجأت بأن شهادتك وأقوالك وتصريحاتك سوف تخضع للتحري والتحقيق - من قبل عقل الشعب الحر والواعي - حتى يتبين صدقها من كذبها..وشكرا للسلطات المصرية وهي تكشف بأنك تكذب أحيانا، وشكرا للصحافة المصرية وهي تلهب ظهرك بنيران النقد والهجوم حتى لا تكذب مرة أخرى، وأنت العارف أيضا كما الخازن بأن من أبجديات العمل الإعلامي ألا يكذب الإعلامي .. وعلى كل حال، أهلا بتمدد أجيال أزمنة الديمقراطية والحرية في العالم العربي، وهي قادرة - بفضل الله ثم بثورات الشعوب الواعية - على إعادة تقديم الخازن وهيكل وغيره إلى الرأي العام بشكل مختلف، حيث يظهر عدم شجاعة هذا وعدم نزاهة ذاك.. أي بلا أي تزييف، وليس كما كان يحدث قبل زمان الوعي العربي.! إليكم - السوداني [email protected]