** المعلومة وتحليل الواقع حسب تلك المعلومة، ثم الدعوة إلى السلام خير من هتاف (يا الحلو رشهم، يا هارون إكنسهم )، أو هكذا لسان حال البعض منذ الخميس الفائت، حيث تقرأ كتاباتهم وينتابك إحساس أنهم ينقلون من دار الرياضة- على الهواء مباشرة - نبض جماهير إحدى مباريات السنترليق.. والعاقل هو الذي ينظر إلى الواقع السياسي كما هو و ليس كما يهوى، ولكن فئة مجنونة بالمعارضة وأخرى ضالة بالحكومة تنظر إلى هذا الواقع السياسي وكأنه وجه الحبيبة، إذ يحق لكل حبيب أن ينظر إلى وجه محبوبته كما يهوى وليس كما هو..!! ** المهم، وصلاً لحديث البارحة، نعم أخطأ الحلو حين راهن على وسيلة السلاح لكسب منصب الوالي بجنوب كردفان..وحديثه ل(لشرق الأوسط)، عدد البارحة، يؤكد وقوعه في الخطأ الأول والفادح جدا، حيث يقول نصا : (تساورنا شكوك كبيرة في مهام القوات المصرية بجنوب كردفان، خاصة أن تاريخها في المنطقة يوضح أنهم غير نظيفين وفيهم أمور شاذة وإجرامية)، هكذا يتهم القوات المصرية بالتواطؤ مع القوات المسلحة، وما هي بقوات مصرية ولكنها دولية تحركها أوامر البعثة الأممية ومجتمعها الدولي.. وإن تواطأت فإنها تواطأت بأمر قائدها الأممي، وهذا يعني - إن صح التواطؤ - بأن البعثة الأممية ومجتمعها الدولي - لا يشجعان استخدام وسيلة السلاح في سوح السياسة بالسودان، شمالا وجنوبا، وهذا معروف ولكن مرشح الحركة الشعبية لم ينتبه إليه..ولهذا من الطبيعي جدا أن يتخذ القوات الأممية عدوا منحازا للقوات المسلحة في أول تصريح صحفي ، وهذا خطأ فادح.. !! ** ثم.. قطاع الشمال بالحركة رشح الحلو لمنصب الوالي، ولكن أبناء جبال النوبة بالجيش قصموا ظهر الحلو حين رشحوا رفيقه تلفون كوكو - المعتقل بجوبا - لذات المنصب. وترشيح تلفون لم يخصم من رصيد هارون ولكنه خصم الكثير من رصيد الحلو، لأن الحملة الانتخابية لأنصار تلفون لم تكن تطالب قواعد جبال النوبة بالتصويت لصالح تلفون، بل كانت تطالب الحركة الشعبية - ومرشحها الحلو- بإطلاق سراح تلفون كوكو.. وبهذا الخطأ - الذي ارتكبته حكومة جوبا - خسر الحلو كل الأصوت التي نالها تلفون كوكو ( أكثر من 9 آلاف )، وهي تقريبا فارق الأصوات بينه وبين هارون..هذه معلومة واضحة كما الشمس، وهي دليل على أن أبناء جبال النوبة بجيش الحركة ليسوا على قلب رجل واحد اسمه الحلو، بل السواد الأعظم منهم - بما فيهم تلك الآلاف التسعة - كانوا ولا يزالون على قناعة مفادها ( الحركة باعتنا ولا تزال تعتقل ولدنا تلفون كوكو)..أي الأزمة ليست إثنية ولا عرقية كما يروج بعض مجانين المعارضة، لأن عقولهم تتعمد ألا ترى الواقع كما هو.. ثم ليس من الذكاء السياسي - ولا العسكري - أن يروج بعض بأن القوات المسلحة تستهدف النوبة، بمظان أن هذا النوع من الترويج يصب في مصلحة الحلو، وهذا ظن ساذج.. بهذا الترويج لن يخسر الحلو أهل جنوب كردفان فقط، بل أهل السودان جميعا.. فالخطاب العنصري لم يعد مقبولا في عقول الناس ومشاعرهم.. !! ** أما المؤتمر الوطني، فليدع استغلال الفرص التي تتيح له حق استخدام القوة في أية أزمة كهذه، طالما هناك فرص التحاور والتفاوض..نعم، إن لم يكن موقفا متعاونا - كما وصفه الحلو- فالحكومة تجد موقفا حياديا صامتا من البعثة الأممية ومجتمعها الدولي في هذه العمليات العسكرية، وهو ذات الموقف الذي توفر لها في اجتياح أبيي.. ونعم قوات أطور وغيرها التي تحارب حكومة الجنوب من الشريط الحدودي لجنوب كردفان، لن تمكن قوات الحلو من تلقي أي دعم من حكومة الجنوب وغيرها..ونعم، هناك دانيال كودي وخميس جلاب وكل القيادة الميدانية لقوات الحركة بفصائلها رفضت التمرد مع الحلو وانحازت للسلام والصراع السياسي..كل تلك العوامل وغيرها هي التي تغري حكومة الخرطوم باستخدام وسيلة القتال فقط لا غيرها ضد قوات الحلو، تحت شعار ( تجريد الحركة من السلاح)، ولكن تلك العوامل المغرية لا تثبت كما هي مع مرور الزمن، بل قد تتغير إلى (ضد) يرهق الناس والبلد ويفقدهما أنجالا وأموالا، وقد جعل من جنوب كردفان جنوبا آخر أو دارفورا أخرى.. ولذلك، لا يخطئ من يطالب الحكومة بأن تستجيب لمبادرات قوى المعارضة وتضع السلاح جانبا وتفتح أبواب الحوار مع الحلو عبر قطاع الشمال بالحركة الشعبية، نعم عبر ياسر عرمان ومالك عقار وغيرهما.. وأن يكف إعلامكم الأبله عن عكس الأزمة هناك وكأنها حرب بين أهل بدر وكفار قريش.. الأزمة حتى اليوم سياسية خلفتها نتائج انتخابات ولائية، ولما كانت هناك أزمة لو نال الحلو منصب الوالي بجنوب كردفان كما نال مالك عقار ذات المنصب بالنيل الأزرق، أي للأزمة أسبابها ودوافعها، وليست بالضرورة أن تكون تلك الأسباب والدوافع مشروعة أو منطقية، ولكن القيادة الذكية هي التي تتجاوز الأزمات السياسية بالحلول السياسية..!! إليكم - السوداني [email protected]