* نادى الغلام: ياقتيبة (هكذا بلا لقب)، فجاء قتيبة قائد جيش المسلمين وجلس هو وكبيرالكهنة أمام القاضي جُميْع، ثم قال القاضي: ما دعواك يا سمرقندي؟ قال: اجتاحنا قتيبة بجيشه، ولم يدعنا إلى الإسلام ويمهلنا حتى ننظر في أمرنا.. التفت القاضي إلى قتيبة وقال: وما تقول في هذا يا قتيبة؟ قال قتيبة: الحرب خدعة وهذا بلد عظيم، وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون ولم يدخلوا الإسلام ولم يقبلوا بالجزية. قال القاضي: يا قتيبة هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب؟ قال قتيبة: لا، إنما باغتناهم كما ذكرت.. قال القاضي: أراك قد أقررت، وإذا أقر المدعى عليه انتهت المحاكمة.. يا قتيبة ما نصر الله هذه الأمة إلا بالدين واجتناب الغدر وإقامة العدل، ثم قال: * (قضينا بإخراج جميع المسلمين من أرض سمرقند.. من حكام، وجيوش، ورجال، وأطفال، ونساء، وأن ُتترك الدكاكين والدور، وأنْ لا يبق في سمرقند أحد، على أنْ ينذرهم المسلمون بعد ذلك) .. !! * لم يصدق الكهنة ما شاهدوه وسمعوه .. فلا شهود ولا أدلة، ولم تدم المحاكمة إلا دقائق معدودة .. ولم يشعروا إلا والقاضي والغلام وقتيبة ينصرفون أمامهم !! * بعد ساعات قليلة سمع أهل سمرقند بجلبة تعلو وأصوات ترتفع وغبار يعم الجنبات ورايات تلوح خلال الغبار، فسألوا فقيل لهم إنَّ الحكم قد نُفِذَ، وأنَّ الجيش قد انسحب في مشهدٍ تقشعر منه جلود الذين شاهدوه أو سمعوا به .. وما إنْ غرُبت شمس ذلك اليوم إلا والكلاب تتجول بطرق سمرقند الخالية وصوت بكاءٍ يُسمع في كل بيتٍ على خروج تلك الأمة العادلة الرحيمة من بلدهم .. ولم يتمالك الكهنة وأهل سمرقند أنفسهم لساعات أكثر حتى خرجوا أفواجاً، وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين وهم يرددون شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله ..!! * حدثت ذلك في عهد الخليفة الصالح عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، حيث أرسل أهل سمرقند رسولا إليه بعد دخول الجيش الإسلامي لأراضيهم دون إنذار أو دعوة، فكتب مع رسولهم للقاضي: أن احكم بينهم، فكانت هذه القصة التي تشبه الأساطير. (كتاب: قصص من التاريخ للشيخ د.علي الطنطاوي، رحمه الله). * ما أعظمه من حاكم .. وما أعدله من قاض، وما أنصعها من صفحة من صفحات تاريخنا المشرق .. أرأيتم جيشاً يفتح مدينة، ثم يشتكي أهل المدينة للدولة المنتصرة، فيحكم قضاؤها على الجيش الظافر بالخروج..؟!! * ذلك هو الإسلام، أما إسلام من يزعمون أنهم يحكمون بالإسلام، فهم أدرى به إن كان إسلاما، أم شيئا آخر؛ يخدعون به البعض ويكتمون نفوس الآخرين، ويكتنزون الذهب والفضة ويتركون الناس جوعى ونازحين ولاجئين..(ألا لعنة الله على الظالمين). زهير السراج [email protected] الاخبار، 18 يونيو 2011