الخبر الذي أوردته الزميلة (التيار) عن بيع منزل الفنان محمد وردي في المزاد لعدم سداده بقية أقساط البناء للشركة التي قامت بتشييده؛ المنى غاية الألم وجعلني أتحسر ألف مرة على حال (الأهرامات) في بلادنا!! مثل القامة العملاق الموسيقار محمد وردي في دول أخرى غير بلادنا السودان تُنشى باسمه الصروح العلمية والإبداعية التي يستقى منها طلاب العلم علومهم!! مثل هذا الرجل الفنان تسمى باسمه المناطق والشوارع والاستوديوهات وكل ماله علاقة بضروب الرقي والإبداع والجمال في عوالم الفنون!! هرم كالعملاق محمد وردي يتباهى به أهله وسط الأمم ويضعون اسمه على الجباه شامة وعلامة يستدل بها على معاني الرقي والفن الأصيل، بل والإنسانية في أسمى معانيها! في كثير من دول العالم التي نزورها خاصة في إفريقيا يذكر اسم العملاق وردي مقرونا بأسمى آيات التقدير والإجلال لفنه وما قدمه من روائع الكلم والألحان والمقطوعات الموسيقية الباقية في وجدان الشعب السوداني ما بقي في الوريد دم وفي النبض حياة!! مثله يُكرم بمنحه الأوسمة والنياشين والشهادات التقديرية وكذلك قطعة ارض مملوكة له وفوقها تصميم لبناء منزل يليق به وهو واجهة لنا نحن شعب فنه العريض!! من يمكن أن يصدق في كل الذين يعشقون وردي فناً وشخصاً أن الرجل الذي ذهب مستشفيا في العاصمة القطرية الدوحة سيعود ليجد أن بيته قد بيع في (سوق الله اكبر) ودقت له أجراس الدلالة في مزادات الدنيا الرخيصة التي لا تعرف تقديرا لفنان وهب كل عمره من اجل الارتقاء بوجدان شعب أحبه وداعب إحساسه بروائع الألحان وأعذبها ؟!! ماذا يساوي ذلك المبلغ البسيط في مقابل إذلال الرجل وإهدار كرامته الغالية وتعريضه لهذه الهزة العنيفة والاهانة والجرح العظيم؟! منزل الفنان محمد وردي ذلك الصرح الأنيق في قلب مدينة المعمورة مصنوع بلمسة يده والمرحومة زوجته الفضلى (علوية) وذكريات أبنائه جوليا ومظفر ولكنه ليس ملكا لهم وحدهم، بل هو ملك لكل عشاق وردي وأحبائه الذين يتوافدون على بيته وحديقته الصغيرة يوميا وحدانا وزرافات فيستقبلهم الرجل هاشا باشا كريما عظيما لا يبالي بإرهاق المرض ولا بموعد الدواء ولا راحة الجسد في مقابل أن يستقبل كل (حاج) إلى قلعة الجمال والفن والإنسانية تلك؛ حيث يخدم (الأستاذ) ضيوفه بنفسه ويكرم وفادة الغريب قبل القريب!! الحقيقة الوحيدة التي اشعر بها الآن هي قمة (العار) من كوني انتمي لدولة لا تحفظ كرامة مبدعيها التي هي من كرامة الوطن وأبنائه المخلصين الذين يقدرون العملاق حق تقديره! والله إنني أظن في شعب السودان من الخير حتى الاعتقاد بأن الذي في نفسه (بغض) للفنان وردي لن يقبل بأن يذل الرجل وتكسر نفسه وخاطره بانتزاع بيته منه لعدم مقدرته على سداد جزء بسيط متبقي من أقساط منزله الذي يؤويه وأبنائه وأحفاده وكثير من أهله وضيوفه!! ليس في فمي سوى كلمة (عيب) علينا وعلى دولة السودان أن تركت منزل العملاق وردي يباع في مزاد علني فحينها يكون الوطن قد فقد نخوته وانكسرت عين شعبه الرجل المهاب!! و عفوا سيدي وردي وأمسحها في وشي!! نادية عثمان مختار مفاهيم - صحيفة الأخبار - 2011/6/23 [email protected]