بعد أن كتبت المقال الذي نشر بالأمس في هذا العمود وكان بعنوان (انا راسي بتير) وعبرت فيه عن حيرتي من الاتفاق بين حكومتي السودان في اديس ابابا يوم الجمعة الماضي بوقف العدائيات بينهما، وقلت إن هذا الاتفاق جاء في سياق كله عدائيات ورحجت فيه أن تكون هناك قوة ما وضعت خطا أحمر للبلدين يمنعهما من قيام حرب بينهما ولكنها سمحت لهما بالاختلاف في كل شيء آخر أو ربما قلبت تلك الجهة الهرم وقررت أن تبدأ الحل من أعلى ثم تتنزل إلى بقية القضايا، وفي كل الأحوال أجد نفسي سعيدا بكل ما يهدئ اللعب بين البلدين. *بمجرد أن أرسلت ذلك المقال بدأت أتصفح الصحف فاستوقفني عنوان لصحيفة الأحداث الغراء يقول نصه: البشير: (سنفقع مرارة الجنوب)، فحوقلت (لا حول ولا قوة إلا بالله) وقلت في نفسي: (تااااني قمنا على اللكلكة؟) وعندما قرأت متن الخبر وجدت أن الأمر غير ما ذهبت إليه، فالسيد رئيس الجمهورية كان يتكلم في حشد جماهيري في مدينة القضارف بعد أن وقف على العمل في سدي أعالي نهر عطبرة وستيت حيث قال: (نحن كلما نمشي لقدام وكل ما نعمل إنجاز اخواننا البغادي ديلك بزيد وجعهم وبيزيد المهم) طبعا الإشارة هنا لدولة الجنوب، ثم أضاف: إن شاء الله كل يوم حنزعلهم ونورم فشفاشفهم ونفقع مرارتهم، ومن هنا اختارت الأحداث عنوانها (لكن ما تقول لي يا ود يا عادل يا لعاب). *في تقديري أن البشير بكلامه أعلاه قد افتتح ملعبا جديدا للتنافس بين دولتي السودان فبدلا من التنافس على تبادل العدائيات وإلحاق الأذى بالآخر فأفضل ألف مرة أن يتنافسا في المنجزات الاقتصادية ولا بأس من أن يدخل في دارسة الجدوى لأي مشروع في أي من البلدين مكاواة البلد الآخر وفقع مرارة أهله وتوريم فشفاشفهم لا بل زيادة ضغط دمهم، بس المهم أبعدونا من العدائيات ودعم التمردات. *نتمنى أن يلتقط إخواننا البغادي القفاز ويقيمون سدا كبيرا في قناة جنقلي وسدا آخر على نهر السوباط كيتا كدا على الشمال ثم يفتتح البشير مصنع سكر النيل الأبيض ليزيد فقعان المرارة ويرد الجنوب بإنشاء مشروع إنتاج سكر كبير في ديار الزاندي ليورم فشفاش الشمال، ثم يفتتح البشير المدينة الرياضية ويرد سلفا بإنشاء أكبر مدينة رياضية افريقية في واو، وهكذا يستمر التنافس الحميد بين البلدين إلى أن يصبح الاثنان مثل كوريا الجنوبية بدلا من كوريا شمالية وكوريا جنوبية متحاربتين. *بالطبع كان المنى أن يتكامل البلدان بمعنى أن تقام في الشمال مشاريع تناسب مناخه وتمد الجنوب بحاجته والعكس كذلك مطلوب فحكمة الله اقتضت أن ينتج الجنوب ما يناسب المناخ الاستوائي والشمال ما يناسب مناخ السافنا ولكن للأسف التطورات السياسية جعلت منا بلدين (متكاجرين) على أحسن الفروض لذلك وجدنا أنفسنا مرحبين بالتنافس الاقتصادي والمحامرة لأنها أفضل الخيارات (وتبكيان يا بلدي السودان الحبيب). حاطب ليل- السوداني [email protected]