البكاء على اللبن المسكوب هو حيلة الضعفاء للتخفيف عما ابتلعته السنين والأيام في جوفها من عادات وتقاليد وطقوس كانت تلوّن حياتنا ولكن من المستحيل أن يرجع اللبن للإناء مره أخرى، من أجل ذلك نحن لا نبكي على الأطلال ولا نسب الزمن الذي أطلق العنان لمحورية كي ينطلق بنا بسرعة البرق ويحيل بيننا وبين الماضي وهو يخلف وراءه آلاف الأحداث والمناسبات يقصيها واحده تلو الأخرى.. غير أن ماضينا التليد والذي هو من صنع أجدادنا ليس من الصعب أن تنجلي ذكراه من القلوب، وما يزيد الطينة بله أن هذه الذكريات تضحكه تارة وتقبضه تارة أخرى حتى يقشعر من قبضته الجسد .. لقد كانت الأجيال التي سبقتنا أوفر حظا منا وكذلك نحن أوفر حظاً من جيل اليوم .. ولا تثريب على جيل اليوم ولكأنى أراهم قد ظهرت ثناياهم العليا تبدي بسماتها لأنهم سعداء الحظ الذين أوصلتهم ركاب الزمن إلى عهد الزفة وعهد صالات الأفراح وما يطوف بين المعازيم من أصحاب البشرة البيضاء يقدمون واجب الضيافة عن العريس. كل ذلك وغيره من المحدثات التي سطت على طقوس الأمس وجعلتها رهن الإرشيف والذكريات هي دخيلة علينا أتتنا على ركاب من خارج الحدود مستغله تعطش وشغف الساحات إلى كل ما هو جديد فحطت رحالها واحتوتها بل وأصبحت من الضروريات التي تفرض نفسها على مراسم الزواج.. أما جيلنا وما سبقه فقد تشرفنا بأن يكون الأهل والأقربون هم من يقفون على الضيوف بعمامات بيضاء لا تتنازل عن كبريائها ليقدموا أرقى الخدمات للمعازيم .. وهكذا تدور رحى الأيام وهي تعبث في ما تبقى من موروثاتنا وتقلبها كما يقلب الموج طفح البحر.. عزيزي .. اسعد نفسك .. سواء من حُظي بزواج الأجيال السابقة أو من لحق بركب زواج الزفة.. كلنا واحد.. ويجمعنا ثم يضمنا الوطن الواحد وأمتنا السودانية أوفر حظاً من غيرها في ربط حاضرها بماضيها. طه كجوك - ثمرات من النخيل [email protected]