أسهل شئ في العالم هو إصدار القرارات .... هذا ما أدركته بعد ثلاث ساعات كاملة من الحوامة بحثا عن مكان يبيع الورود ... سيقول الكثيرون إنني ( فايق ورايق ) وسيقول من هم أكثر منهم إنني عبد في قبضة المسلسلات التركية الفارغة ( التي ته دف إلى إستلاب الهوية ، ومسخ مجتمعنا المحافظ ) الخ الخ ... لا يا سادة .. أنا مجرد مجنون يريد أن يهدي خطيبته وردا في يوم تخريجها لا أكثر ولا أقل .. وعلاقتي الوحيدة مع تركيا هي إنني أشتري الرغيف للبيت من الفرن التركي المجاور ... ولنعد لقصتنا ... الساعة الآن الثالثة بعد الظهر .. لايزال هنالك وقت قبل موعد بدء زفة الخريجين ... أين يمكن أن أجد وردا ؟ منذ تزوجت أختي وغادرت البيت إنعدمت الورود والزروع في حياتنا .. فأخي لايزرع إلا في المزرعة السعيدة ، وأنا لا أزرع إلا جميلا في غير موضعه ... جيراننا لديهم (تين شوكي ) ونجيلة ، وفي السوق يبيعون الورود الصناعية .. أخبرني أحدهم إن هناك محل راقي في حي أرقى يبيع الورد طازجا فذهبت إلى هناك ودخلت المحل وخرجت منه بعد خمس ثواني ، لأن الثمن الذي قالوه لي يكفي تماما لجلب (شيلة) وتجهيز عروس كاملة ... الساعة الآن الخامسة .. لقد بدأت الزفة.. لابد إن سوسن تتلفت الآن بحثا عني وسط جموع الناس ... ستبدو فاتنة في فستانها البنفسجي .. يجب أن أسرع .. وتوكلت على الله وذهبت لآخر مكان يمكن أن يذهب إليه مجنون .. القيادة العامة للقوات المسلحة .. هناك حديقة ورود حمراء جميلة أمامها ولو ظفرت بمجموعة منها أكون قد نلت مرادي ... ألم أقل لكم إنني مجنون ؟ هل رأيتم بطل تركي واحد يفعل هذا ؟ .. ودنوت من العسكري المتحفز وسلمت عليه: - السلام عليكم يا جنابو نظر لي بعين محمرة ورد بصعوبة ، فتنحنحت ثم شرحت له إنني أريد بعض الورد الموجود هنا و.... ولأن هذه صفحة محترمة ومهذبة ، سأعفيكم من سماع الرد الذي قاله وسأكتفي بإحراج الطرد ... الساعة السادسة الآن ... لابد إن الزفة قد إنتهت والخريجون الآن في طريقهم للنادي داخل البص وهم يتبادلون الصور والتعليقات ... ماذا ستقول سوسن عني ؟ .... السفارة الألمانية ... هناك أحواض صغيرة بها بعض الزهور ، ولا يوجد حارس ، لذلك دنوت بهدوء ومددت يدي ، ثم .. هاو هاو هاو هاو إندفع نحوي كلب أسود ضخم من ذلك النوع الذي لا نراه إلا في توم وجيري ولو أمسك بي لحولني لشرائح ، لذلك أطلقت لساقي الريح وأنا ألعن أبو الرومانسية ... يجب أن أستسلم وأرجع لأستحم وأرتدى ملابس جديدة وأذهب للنادي .. لحظة واحدة .. هناك مبنى جميل أمامه أحواض ولا توجد حراسة أو كلاب ... أدنو بهدوء وأنا أتلفت ثم مددت يدي وقطعت وردة .. وفي اللحظة التالية وجدت نفسي على الأرض وثلاثة رجال ضخام الجثث يضربونني وأحدهم يمسك بعنقي ويقودني للداخل ... ماهذا ؟ هل هذا إتحاد المصارعة ؟ ورفعت رأسي بصعوبة لأرى اللافتة التي نسيت النظر إليها ... مقر الحزب الحاكم .... وبعد ساعة من الصفعات والتحقيق تم التأكد من أنني لست عميلا ولا جاسوسا ولا إرهابيا ولا إمبريالي تم إطلاق سراحي ... الساعة الثامنة مساء .. فات الأوان .. لقد بدأ التخريج .. وفي لحظة جنون إنتقامية لكرامتي وأنا أخرج من المبنى ، قطفت وردة وددستها في قميصي وأطلقت ساقي للريح ... ثلاثة خطوات وأنا أعبر الطريق وبعدها ... طراااااااخ ... ظلام وظلام .... وحين أفقت ، كنت راقدا في سرير في الحوادث وحولي أمي وأبي وأخي و.... سوسن ... ترتدي فستانا بنفسجيا رائعا أفسدته الدموع التي تمتزج بالكحل لتصنع خطين أسودين على وجنتيها ... ساقي مكسورة وملفوفة بالجبص وكل جسدي يؤلمتى ... أمها واقفة وكذلك أبوها ...أمها لا تطيقني وأمي لا تحبها لذلك كانتا مثل الضرات ... ماهذا المسلسل المكسيكي الذي أعيش داخله ؟ ... وبعد أن غادر الجميع الغرفة لتركنا قليلا ، قلت لسوسن : - سوسن .. أنا آسف عشان خربت ليك يوم تخريجك .. بجد آسف همست لي : - يطير التخريج في ستين داهية المهم سلامتك - إتخرجتي بأي أغنية ؟ ضحكت وسط دموعها ، وقالت : - لما إنت ما جيت إتخرجت على مزاج بتاع الدي جي ... تتصور شغل لي أغنية الحزن النبيل ... خلينا من دي إنت مشيت وين ؟ ضحكت بصعوبة بسبب فأنت ضلوعي من الألم وأنا أرد : - في مقطع في أغنية الحزن النبيل بيقول ( وعشان أجيب ليك الفرح رضيان مشيت المستحيل ) ... عارفاهو؟ - أي مددت يدي إلى جيب قميصي وأخرجت الوردة التي نهشمت من الضربة ، وأنا أقول : - أنا مشيت للمستحيل ده ذااااتو الكاتب الساخر : د.حامد موسى بشير