قبل مقابلة تلفزيونية، جلست معي من ستحاورني في صالة الاستقبال، وقالت إنها تريد للحوار أن يكون خفيفا ويتناول عموميات عن سيرتي الشخصية ومسيرتي المهنية، ثم عرضت عليّ عينات من تلك الأسئلة، ولم يكن لي اعتراض عليها.. إلى أن قالت: يمكن أسألك عن عطرك ولونك المفضل، فقاطعتها: لا تسأليني عن مثل هذه الأشياء، لعدة أسباب أهمها أنني أعاني من عمى ألوان، وأنا من بلد يوصف فيه الإنسان الأسمر بأنه «أخضر» والأسوَد بأنه «أزرق»، وعندنا في السودان «لون زينب» وهو من درجات اللون الأخضر، ولأنني لا أفضل عطرا معينا على غيره بدليل أنني لا أعرف اسم العطر الذي كنت قد استخدمته في ذلك اليوم، ولأن ذوقي في العطور والألوان لا يهم المشاهد في كثير أو قليل ما لم أقله لها في تلك الجلسة التمهيدية هو أنني لا أذكر متى كانت آخر مرة اشتريت فيها عطرا من حر مالي، ولا يعني هذا أنني لا استخدم العطور أو أقوم بسرقتها من المتاجر بل يعني أن الأقدار ظلت تشاء على مدى سنوات طوال أن يهدي لي شخص ما قارورة عطر من حين لآخر، وبالتالي فإنني اشتري فقط الديودرانت الذي يزيل رائحة العرق، وطالما أن عطوري مهداة إلى من أطراف أخرى، فليس من حسن الأدب أن أقول لمقدم الهدية: شكرا وخذ هديتك معك، لأنني لا استخدم إلا عطور تيسو باسو المصنوعة في بوركينا فاسو.. المهم أن عطري المفضل لا اسم معينا له فقط يكفي أن يكون لطيفا أي غير حاد وقوي (وبالمناسبة كانت آخر ساعة اشتريتها من حر مالي مع بدء ظهور الساعات الرقمية أي التي بدون عقارب أو سلاحف، قبل نحو ربع قرن، وكانت ماركة كاسيو وكان ثمنها في حدود 18 دولارا وصمدت معي قرابة تسعة أشهر). في العام الفائت أنتجت شركة كلايف كريستيان عشر قوارير من عطر يحمل اسم إمبيريال ماجستي نمبر ونImperial Majesty No 1، وطرحتها في معرض في دبي في تاريخ معين، وما أن قرأت الخبر حتى ركبت أول طائرة لأفوز بواحدة منها، وكنت في دبي قبل افتتاح المعرض ب24 ساعة، وما ان وصلت إلى المكان المخصص لتلك الشركة في أرض المعرض، وسألت عن العطر حتى قالوا لي إن سبعة قوارير بيعت قبل بدء المعرض، وأن الثلاث المتبقيات محجوزات وأن من سيشتروهن دفعوا العربون.. حزنت بشدة لأن فرصة اقتناء شيء نادر فاتتني، ولأن القارورة كانت تباع - تقريبا - ببلاش، فقد كان سعرها 300 ألف دولار فقط: قارورة من الكريستال النقي وعليها ماسة بيضاء عيار 5 قيراط وطوق من الذهب عيار 18 قيراط. الكذب حرام: طبعا لم أسافر إلى دبي لحضور ذلك المعرض ولو أهداني ناقص عقل ودين واحدة من تلك القوارير لقلت له: دقيقة ونزعت الماسة والسوار الذهبي عنها ثم رددتها إليه ليستخدمها بنفسه.. عطر بثمن شقة في نيويورك.. أو ست سيارات من النوع الفاخر؟ أنا لو عندي 300 ألف دولار كنت تقاعدت واشتريت كرسيا متحركا بعجلات حتى أمارس الدلع وأنا داخل البيت بدلا من إرهاق عضلات رجلي.. سألتهم ولماذا هذا السعر الشاطح الناطح لقارورة عطر؟ قالوا لأنه مصنوع من زهور الفانيلا... طيب أنا عندي 8 علب فانيلا في البيت وثمنها أقل من دولارين ومستعد لبيعها لكم ب300... خليها 30 دولارا واصنعوا منها عطورا أو بخورا وبيعوه لمن تبخر عقله. جعفر عباس [email protected]