تتسرب الأيام من بين أيدينا.. وتفوت علينا المشغوليات الكثير من الروحانيات السامية.. وها هو رمضان أقبل ليعيد إلينا بعضاً من صفاء الروح، والتخفيف من سطوة الرغبة والاستمتاع مأكلاً ومشرباً ولذة.. رمضان فرصة نعيد فيها حسابات ضميرية تقديرية بيننا والله.. لأنه وحده علام الخبايا والقلوب.. إن علاقتنا العميقة الخفية الضميرية هي مقاييس الرسم الحقيقية لعمق إيماننا جوارح وعملاً.. فرطنا في حق أنفسنا حينما حرمناها من وصلات دائمة للروحانيات والإيمانية المتمنة.. ومثل رمضان هذا نفحة من نفحات نتعرض لها لعلنا نعيد الجادة الباقية لتفاصيلنا المقتولة تعباً وتهويماً مع مسارب النهار وأطراف التوقيتات.. رمضان عاد بروح ظاهرية متوجسة من تصريف الأيام القاسية وضغوطاتها الاقتصادية وأسعار سوقها الغول، ويبقى فينا رمضان الذي يأتي بخيره والله كريم، فلولا كرم الله لكانت العسرة رفيقتنا، وكان حالنا مكانك سر.. هذا السودان فيه «شيء لله» نحسه ولا نعرف إجادة وصفه وتعبيره.. قد تتطوف بنا الشعب والدروب صعوداً ونزولاً في اتجاهات الرسم، ولكن تبقى فينا مضغة متخلقة تثبت أن إنسان السودان بفطرته المتأصلة قدرياً إيمانياً فيه روح النزعة والفطرة السليمة.. رغم القسوة والواقع الجاف المنقوص الأركان.. رغم صلابة متاريس الأيام وجلافة امتحانات الظروف التي تكاد تمس أوتار إيمانيات البعض إلا أن الطريق الذي يشدنا للرشد والعودة من الغي يتسامى مع مقادم مثل هذه الأيام الطيبة.. إذن علينا أن نرجو الله تعالى أن يبلغنا إياه ويجعلنا أكثر تقرباً إلى جوهر إيمانه وحكمة مشروعيته.. فالبعض يحسبون الأمر مجرد ركود وركون نهاري ثم مسائية حافلة بالملذات و «مزز الطعام» ليس إلا.. فلننفض الغبار عما اتخذه البعض مهجوراً وركنه هناك في الأقاصي النائية.. فرصة تبدأ إبحاراً في مئة واربعة عشر ابل يا معشر، نتطوف معها بين الخيام الإيمانية والمضارب الجوهرية.. فضمائرنا بيضاء وإن كسى وجوهنا بعض الشحوب والسواد والقترة.. فنحن بسطاء لله لأنه العلي.. فقراء إليه لأنه الغني الحميد.. وفرصتنا اليه مفتوحة ولكنها في هذه الأيام أكثر لأنه رمضان والصيام الذي هو له وهو يجزي به.. إذن رمضان مسألة ضمير.. كما نقول للمعذورين خذوا عزائمه ورخصه والله يحب إن تؤتى اعذاره. ٭ آخر الكلام:- رمضان كريم.. برائحة الآبري وعبارة «اللهم إني صائم».. فلا رفث ولا فسوق.. ونحن هنا في انتظار استبانة الخيط الأبيض من الأسود.. سياج - آخر لحظة [email protected]