أستعيد معكم اليوم حكاية الصيني زينغ زياويو الذي صدر حكم عليه بالإعدام قبل أعوام وتم تنفيذ الحكم مؤخرا. وكان الرجل رئيسا لهيئة الأغذية والأدوية في الصين، وخلال عام واحد توفي عشرة أشخاص إثر تناولهم مضادا حيويا سمحت الهيئة بتسويقه، واكتشفت السلطات أن زياويو سمح بتداول منتجات 8 مصانع للأدوية من دون إخضاعها للرقابة للتحقق من جدواها الطبية وصلاحيتها.. طبعا لم يفعل ذلك لوجه الله ولا حبا في تلك المصانع، ولا لثقته بها، بل لأنه «قبض المعلوم».. يعني قبض رشوة من كل واحدة منها.. هل تعرف كم كان المبلغ الذي تقاضاه من المصانع الثمانية؟ 425 ألف جنيه استرليني.. يعني أقل من نصف مليون جنيه.. لا أجد كلمات مناسبة أصف بها الرجل سوى أنه تافه وحقير ورخيص! لو جاءنا في دورة تدريبية في العالم العربي لتعلم مغزى «إذا سرقت فاسرق جمل». هذه الأيام مزاجي «نكدي» وبالتالي سأنكد عيشة القراء: في مطلع شهر يونيو الماضي أصدرت السلطات الصحية والطبية في بريطانيا تحذيرا عاما بأن كميات هائلة من الأدوية المغشوشة دخلت البلاد، وكان على رأس القائمة عقار بروتيني يستخدم في علاجات الأطوار المتأخرة من سرطان البروستات عند الرجال... ولأن ابن آدم البريطاني عنده قيمة، فقد تم إنشاء غرفة عمليات وتكليف مئات ضباط الشرطة والعلماء لتعقب تلك الأدوية، وتم اكتشاف أحد منافذ توزيعها واعتقال صاحبها.. عقار سرطان البروستات المعني هو كاسودكس، (العقار الأصلي تنتجه شركة استرازينيكا المعروفة) ولكي لا يصاب متعاطو العقار بالهلع فلابد من إيضاح ان العبوات التي تحمل الرقم المتسلسل (باتش 65520) فقط هي المغشوشة، وحسب علمي ومتابعتي فقد تم سحب الصنف المضروب من كاسودكس من الصيدليات في كل الدول.. وأسفرت التحقيقات في بريطانيا قبل أعوام أيضا عن ان هناك عمليات غش في عقار زيبريكسا الذي يستخدم في علاج مرض الفصام، الاسكتزوفرانيا (من باب «عجمي فالعب به»، فان الكثيرين في العالم العربي يسمون ذلك المرض شيزوفرانيا.. لا يا جماعة اسمه اسكتزوفرانيا) وعقار بلافِكس المستخدم لتسييل الدم، وهو ثاني العقاقير الطبية بيعا وتداولا في العالم ومطلوب بشدة وخاصة من قبل من يعانون من حساسية الأسبرين أو أعراضه الجانبية.. وعند فحص تلك الأدوية المغشوشة في المختبرات اتضح ان بها مسحوق الطوب (نعم الطوب المستخدم في البناء) والطباشير والطلاء ومواد تستخدم لتلميع الأثاث! طبعا ستتساءل: إذا كان ذلك يحدث في بريطانيا فكيف يكون حالنا نحن الذين تحث «حِكمنا» الشعبية على السرقات الكبيرة (اسرق جملا بدلا من معزة).. تذكروا أن مصيبتنا مزدوجة: أسواقنا سهلة الاختراق.. وفي السودان تم قبل أعوام حظر تداول 12 نوعا من العقاقير من إنتاج شركة دوائية عربية، وظلت نفس تلك العقاقير تباع إلى يومنا هذا في كافة دول الخليج.. فهل تم منع تداولها في السودان لاعتبارات طبية وصحية أم لفتح السوق أمام أدوية تنتجها شركات لها وكلاء متنفذون في جهاز الدولة، والمصيبة الثانية هي أن الأدوية الصينية المغشوشة يتم تسويقها في كثير من المدن العربية بعد ان يستوردها تجار «الشنطة» ضمن ما يجلبون من اكسسوارات وأثاث وملابس وأجهزة كهربائية، أما المصيبة الثالثة فهي ان الملايين في العالم العربي يتناولون كميات هائلة من العلف بعد ان صدقوا الخزعبلات القائلة بأن الأعشاب فيها الشفاء من كل داء، بلا أعراض جانبية! (بالتأكيد فإن الصين متقدمة جدا في مجال انتاج الدوائي والصناعي عموما ولكن وبالتأكيد فإنها أكبر منتج للسلع المضروبة، وهي معذورة: كيف تراقب مليار ونصف مليار شخص بينما الأولوية لمراقبة المطالبين بالديمقراطية؟). جعفر عباس [email protected]