السقط جا .. اوو .. اوو .. أو أأو أأو قديما – في زمن الجهل - كان للبرد اغنية على وزن انغام الروك، مصاحبة برقصة خفيفة كنا ندفئ بها انفسنا حتى لا نهلك ب (نفخة بردية)، وذلك لان الشتاء في سنوات طفولتنا كان لا يعرف الهزار، وكان ل زيفة وزمهرير البرد فيه (خاوية) وتبعات (طاوية)، فما كان يمر سيل برد الشتاء ايامها دون ان يأخذ في طريقه العديد من كبار السن في اقاصى الشمال حيث تتجمد المياه في الازيار، ومثلهم من القواصي من أهل الصفة والهامش المقيمون على حواف الكفاف باطراف المدن .. لا ادري هل كان شدة شعورنا بالبرد وقتها، بسبب الانخفاض الشديد في درجات الحرارة مقارنة باضمحلال موجاته عبر السنوات، بفعل اضمحلال غاز الاوزون وتوسع (قدة شملته) وتلك حقيقة، أم انها قلة الاعدادات والاستعدادات لمواجهة عنفوانه، فلم تكن ثقافة الفنايل الثقيلة التي تسكن رجفة السقطيبة من اطرافنا ونحن نقطع دروب الحي صباحا في طريقنا للمدرسة، ولا البطاطين الصوفية التي تدفئ القلوب ليلا برائجة أو حتى متاحة، ففي الصباحات البريدة كنا (نباري) اشعة الشمس الحنونة عبر اركان حيط المدرسة ، بحثا عن قليل الدفء الذي ترسله على استحياء عطفا بحالنا، أما لياليه الطويلة القاسية فلم يكن شيئا بقادر على دفع سطوتها، سوى منقد الفحم القابع في الوسيط بين اسرتنا بجمراته الكبيرة المتقدة والذي تحرص امي على تزويده ببضع عيدان من الطلح والكثير من الحجى والاحاجي وتلاصق المحنة والونسات الحميمة .. ثم مرت علينا سنوات عجاف لا شتاءها شتاء ولا صيفها صيف بل هو قطعة من الجحيم .. تقاصرت ايام الشتاء وقلّت بركتها وتزايد حر صيفها، ورغم ذلك ظللنا كلما عصر علينا الصيف تمنينا برد الشتاء، وكلما زنق الشتاء ليالينا اشتهينا ليالي الصيف واسمارها،مع العلم بأن الصيف دواؤه اللجوء للظل بينما لبرد الشتاء مشقة لا ترد .. اذكر انني كنت يوما برفقة شقيقي في مشوار ذات نهار صيف غايظ، توقف يومها بالمنطقة الصناعية بجوار احدى الورش ونزل لقضاء بعض حوائج العربة، فجلست في انتظاره اتسلى بالتلفت ومراقبة احوال الناس من حولي .. سبحان الله في عز لهيب شمس الصيف رأيت صاحب كارو على بعد بضعة امتار مني، وقد شدّ قطعة من الخيش كمظلة على جانب العربة ورقد تحت الرقراق ونام .. سرحت يومها اتأمل الحكمة من أن (كل ميسر لما خلق له)، فذلك الرجل النائم في درجة حرارة تقارب الخمسين، كان ينام في طمأنينة وراحة وكأنه ينام تحت ظل شجرة نيم ظليلة في نهار خريفي غائم .. تأقلم مع وضعه ورضي به رضا ربما لم يحظى به يوما احد اصحاب محلات بيع الاسبيرات (المكندشة) الممتدة على طول الشارع من حوله .. من ضمن اللخبطات المناخية اجتاحتنا في هذه الايام موجة برد ذكرتنا بأيام كان لها ايقاع .. هذا هو اول شتاء لنا بعد انتقالنا للسكن فى منطقة شبه طرفية على تخوم (الخلاء والصي والصقيعة)، تطل على رقعة زراعية ولا يحيط بنا الكثير من السكان – على الاقل من صنف البشر- غير القليل من البيوت المتناثرة والكثير من العمارات تحت الانشاء التي يقيم فيها الغفراء باسرهم .. سبحان الله لأول مرة يدهمني شعور مباشر بالعجز والخجل .. فبينما كنا – انا وعيالي -نكدكد من شدة البرد وقد تحول البيت بفعل الزيفة والسقطيبة الى تلاجة فواكه .. ردمنا علينا كل ما طالته ايدينا من سويترات وردفنا فوقها البدل قديمة واستعنا بعدها بالبطاطين وما نقص شعورنا بالبرد قيد رجفة، دخلت علينا مساعدتي متأخرة عن مواعيد حضورها وهي التي تقيم وعيالها في جوارنا براكوبة في احدي البنايات التي يقوم زوجها بحراستها .. كانت ترتجف مثل طائر صغير اصابه البلل وتقوم بفرك يديها بشدة عل بعض سخونة الاحتكاك تدفع عنها شر ما تعانيه وتعتذر عن تأخرها لعجزها عن دفع صغارها على مفارقة مراقدهم وقد حاصرتها الرياح من كل جانب .. يااا اللله .. قاتل الله البرد الذي يقتل اخوة لنا في الانسانية والسوداية ونحن تحت اغطيتنا متدفئون .. يا لشقوة العين البصيرة باليد القصيرة فمن لهؤلاء المساكين ؟!! مخرج نداء عاجل ل شباب الخير، فكما قمتم ب النفير في زمن السيول والامطار وسترتم تقصير المقصرين فهلمو لنجدة اخوتنا من قتلة البرد .. لا ادري كيف ينام اصحاب العمائر والقصور مرتاحون تحت دثاراتهم وحولهم يموت الصغار والضعفاء الذين يقومون بحراسة مدخراتهم تحت وطأة البرد في الرواكيب .. يا جماعة الخير تعالوا نرفع شعار بطانية لكل مواطن .. ما كتيرة على جهد الشباب وجيوب الشيوخ .. ملحوظة كتبت هذا المقال قبل ايام ولكن تزامن نشره مع تحرك شباب الخير – الما محتاجين دفرة – وقيامهم بحملة توفير البطاطين لمشردي الشوارع .. جزاكم الله خيرا فأنتم دائما تسترون عورات انسانيتنا التي اصابها التبلد بتعرية النخوة وجفاف التكافل .. ارجو ان يمتد عمل قوافل العطاء لاهلنا ساكني العشش والرواكيب في هوامش المدن وفي ظلال العمائر التي تحت التشيد .. يا اخواني كلمو الشباب لايصال الرسالة لولاة امرهم الذين يقومون بالبناء ان يتكرموا بالتبرع لمن يحرسون لهم ممتلكاتهم فمن يمتلك المليار او نصفه ليتطاول في البنيان لن يضره ان يتبرع لغفرائه ب حق البطانية منى سلمان [email protected]