عانى الفنانون كثيراً خلال سنوات مضت من تغيير الفهم السائد عنهم بأنهم مجموعة من (الصعاليك)، وعملوا بجهد شديد لمسح ماتبقى من تلك النظرة من اذهان الجمهور، ومحاولة اذاقته طعم آخر يتسم بالكثير من المسؤولية والابداع، وربما نجحت محاولات الفنانين لدرجة كبيرة في ذلك الامر، وذلك بدليل التقبل الكبير الذى وجدوه في السنوات الاخيرة، والانفتاح الكبير في اذهان السودانيين والذين صار معظمهم لايمانع ان يصبح ابنه فناناً. وبرغم الرائحة (الاقتصادية) التى تفوح من آخر نقاط الحديث اعلاه - والتى تدور حول عدم ممانعة الاسر في ان يصبح ابناؤها فنانون- الا اننا بالمقابل لايمكن ان نصمت ونحن نشاهد على اقتراب عودة الفنانين لذات المربع الاول الذى عملوا في السابق للخروج منه، خصوصاً ونحن نشهد هجرة غير مسبوقة للشباب لامتهان مهنة الغناء، في غياب موجع من الجهات المناط بها ترقية الفنون في البلاد والتى باتت تراقب الوضع بخجل تحسد عليه. مامعنى ان يتقدم اكثر من (2000) شاب وشابة لاختبارات برنامج نجوم الغد- على ذمة معده ومقدمه بابكر صديق- واين هي الآليات والبحوث والدراسات التى من المفترض ان تخرج حال وصول الامر لتلك النقطة..؟..ام انها نقطة عادية لاتحتاج لكل هذا الاهتمام منا..؟ مايجب ان يعلمه الجميع ان وصول الفن لنقطة (الامتهان من اجل الرزق) يمثل كارثة كبيرة جداً لابد ان يتم تداركها قبيل الطوفان، فهذا مهدد مباشر للارث والثقافة السودانية، والتى ستضيع ممثلة في الاغنيات التاريخية بعد عدم توفر المؤدي الذى يقوم بإيصالها للجمهور، وبعد ان يفشل المستمع في التمييز بين صوت (فلان وعلان)، وبالتالي يفقد الثقة في المؤدي، وبالتالي يفقد الامل في الاغنية السودانية الى الابد (وهي اصلاً ماناقصة). على القائمين على امر الفنون وفي مقدمتهم مجلس المهن الموسيقية (النايم على طول الخط) أن يقرعوا جرس الانذار بعد وصول المتقدمين لبرنامج نجوم الغد الى اكثر من (2000)، فهذا الرقم يمثل فقط المتقدمين للبرنامج..اذا ماذا عن فناني الاحياء و(السمايات والختان)..؟؟..وماذا عن فناني الحيرة والعلاقات العامة و(الواسطة)..؟؟ وماذا..وماذا...؟؟. الامر خطير يحتاج لردة فعل تتناسب معه، قبل ان نستيقظ ذات يوم ونجد (البلد كلها بقت فنانين) ونضطر لإستجلاب (مستمعين) من الخارج بعقود إحتراف شبيهة بعقود إحتراف لاعبي كرة القدم...ولا(شنو ياعلي مهدي)..؟ جدعة: على كل الفنانين ان يعلموا ان عودتهم من جديد للمربع الاول الذى قاتلوا بشراسة ليخرجوا منه، سيعني لامحالة نهاية أي امل في الاغنية السودانية وفي الفنانون كذلك، وعلى كل الفنانين ان يعلموا ان لقب (الصعاليك) الذى اطلق عليهم في فترة ما، سيكون اهون بكثير من القاب جديدة قد تطرح وفق العصر والتكنلوجيا، وفي زمان صار فيه كل الشعب (يغني)، وعليهم ان يعلموا اكثر ان تنظيف التاريخ هذه المرة سيكون صعباً للغاية، خصوصاً في ظل إهمال الجهات المناط بها ترقية الفنون للموضوع وانتهاجها بإمتياز للمثل القائل (اضان الحامل طرشاء).! شربكة اخيرة: اذا كان عدد المتقدمين لبرنامج مسابقات غنائي وصل الى (2000) طلب، اذاً كم عدد الفنانين الممارسين للمهنة حالياً في السودان..؟؟ الشربكا يحلها - احمد دندش صحيفة الأهرام اليوم