#لا شيء يدعو للاطمئنان.. كلنا خائفون من الغد ومصائرنا المجهولة التي تشير جميع المعطيات لسوء عواقبها.. تراجعت قيمة الرضا والقناعة فالإيمان قد ضعف، والنفوس في جزع وكربة إلا من رحمه الله ونصره في جهاده على نفسه. لم تعد هناك نفس مطمئنة على قيد الحياة. أو أنني لم أتعرف عليها بعد.. فلا يعقل أن يكون كل أولئك المنعمين غير راضين عن حياواتهم كثيراً شأنهم شأن المعذبين في الأرض بفعل الفقر أو الهوان أو التوجس الذي يصاحب توقعاتهم المستقبلية. فهل لاحظتم معي ما بتنا عليه من جشع وطمع وقسوة؟ لم نعد نرضى بالقليل، ولا نبحث عن السترة، ولا نترفق ببعضنا البعض أو نقدر الظروف والأوضاع.. الجميع يسعى لتحقيق أعلى المكاسب بأقصر الطرق وربما أحقرها دون أن تعنيه كثيراً النتائج التي تترتب على ذلك وتحيق بالآخر مهما ساءت. # لم تعد هناك اعتبارات لأي روابط إنسانية قد تجمع بين الناس.. فحالما دخلت المصلحة من الباب هربت العواطف والصلات من الشباك.. وكم سمعنا من حكايات غريبة لعب فيها المال دور البطولة لينسف ما بين الأبناء وذويهم، أو الأصدقاء وبعضهم البعض، وحتى الأزواج!! الجميع لا يفوت الفرصة لاستغلالك واستنزافك واستهلاكك عاطفياً ومادياً حالما، وجد لذلك سبيلا.. وحين ينبري بعضكم ليؤكد أن الدنيا لا تزال بألف خير وأن في ما ذهبت إليه الكثير من التشاؤم والمبالغة عليه أن يتذكر أننا هنا نعري الوجه الحالك لمجتمعنا لنسلط الضوء على بعض الظواهر السالبة التي هجمت عليه مؤخراً وجعلته طريح الفراش يكابد الموت السريري، بينما نحن نمصمص الشفاه ونتفرج. # هل هو التقشف الذي ساد مؤخراً وخرج علينا كعبارة نتداولها يومياً ويتشدق بها الصغار قبل الكبار؟.. أم هي الهوة الاقتصادية التي نرزح تحت وطأتها منذ زمن وترانا نتعثر بها كلما هممنا بالنهوض، ولكن كيف ننهض ونحن لا حول لنا ولا قوة ولم تجد جميع محاولاتنا لتحسين أوضاعنا بشتى السبل والمعينات والمهن والاستثمارات؟ كيف ننهض وأولي الأمر فينا يباغتوننا بالضربات القاضية حيثما رفعنا رؤوسنا قليلاً لنخرج من عنق زجاجة الفقر ويبرعون في ابتكار القرارات الاقتصادية وسن القوانين التعجيزية وفرض الجبايات المهلكة؟! إذن.. هو الهلع الجماعي والجشع العظيم الذي أصابنا بقرار جمهوري حكومي.. وكأنما بات من شروط حمل الجنسية السودانية أن تبرع في لعبة (الثلاث ورقات) وتجتهد بكل الطرق لتمص دماء أخيك في المواطنة. هكذا حال التجار في الأسواق، الذين يضعون التسعيرات وفق أهوائهم دون أن يطرف لهم رمش ويضعوننا في كل صباح أمام الأمر الواقع (والعاجبو عاجبو).. ثم يتحججون لك بأن فوقهم سلطة أكبر من ترفقهم بالمواطنين تمارس ضدهم ذات التجبر وتمص دماءهم، وهكذا دواليك.. و(سيدي بي سيدو)!! # عليه.. لا تفكر في دخول السوق بغرض التسوق ما لم تكن تنوي أن تشتري كفنك.. ولا تتفاءل بالاستدانة من أحدهم مهما كانت علاقتك به حميمة.. فلم يعد على أيامنا هذه هناك من يمكن أن يعينك أو (يداينك) أو يصبر عليك.. فالجميع منهمكون في الخوف والقلق والهلع والجشع وكنز المال.. ومنصرفون عن الحب والرحمة والتسامح والتكافل.. ورغم بعض الإشراقات النبيلة، فإنني أؤكد خوفي على مستقبل أبنائي.. بل هلعي من أن أصحو غداً فأجد أحدهم يبيعنا (الأكسجين) أو يفرض عليه ضريبة. # تلويح: هلع تام.. ولا نزال نربط الحزام.. حتى كدنا نرفع للبؤس التمام!! إندياح - صحيفة اليوم التالي