السيناريو الذي كان معدّا لإخراج موقف إقالة بروفيسور الزبير بشير طه، يبدو لي أن بروف الزبير أفشله حين وقف في خطاب إعلان مغادرته للولاية ليحكي حيثيات واضحة تؤكد أن الموضوع كان إقالة وليست استقالة.. لماذا لا تزال الإنقاذ تصر على الالتزام بنهج المجاملة السياسية وتخفيف درجات الحسم في القرارات التي يكون مظهر الحسم فيها أهم من مضمون القرار نفسه، بكونه حين يصدر بصيغة واضحة وحاسمة يجعل الآخرين ينتبهون إلى أنه لن تكون هناك مجاملات للفاشلين؟.. الإقالة يجب، في تقديري، أن تخرج للناس بصيغتها البائنة، صيغة الإقالة، دون إضافة محسنات بديعية ونصوص سيناريو لتخفيف وطأتها، ليس تشفياً ولكنها حين تأتي بالصورة الصحيحة تحقق غايات وأهدافا أسمى وأكبر هي تنبيه الآخرين وترسيخ أدبيات الحسم في العمل العام.. فالإقالة المحرفة لفظاً ومعنى، والمسماة زوراً استقالة، تجعل الفاشلين الآخرين مطمئنين إلى أن أقصى ما سيحدث لهم هو استدعاء في القصر ومطالبة حميمة بتقديم الاستقالة.. الإقالة يجب أن تكون بصيغة الإقالة لفظا ومعنى.. بل يجب أن تأتي بحيثيات واضحة جداً تمنع سوء الفهم، وليس هناك سبب أوضح وأبين وأفصح من الفشل.. فتكون الإقالة بسبب الفشل، ومن لا يحب أو يرغب في التعرض لمثل هذا الموقف فليعتذر عن قبول التكليف بمهام العمل العام منذ البداية.. يعتذر صراحة عن القبول بالمنصب لأنه لا يحب أن يتعرض للفشل ولا يحب أن يأتي اليوم الذي يصدر الحاكم في حقه قرارا ًواضحاً هو الإعفاء من المنصب.. يجب أن يتحقق معنى الإقالة بلا مجاملة ولا شعور بالحرج.. لأنه لا شيء يستدعي مثل هذه المشاعر، مشاعر الحرج. ولا توجد أية أسباب شخصية تقف خلف قرارات الإقالة ولا حتى خلف مواقف الصحافة حين تطالب المسؤولين بإقالة الوالي الفلاني أو الوزير الفلاني؛ فإن ذلك لا يجب أن يتم تفسيره على أنه موقف عداء شخصي. وأنا شخصياً، كتبت هنا أكثر من مرة، مطالبا ًبإقالة والي الخرطوم ولا أحتفظ للرجل على المستوى الشخصي إلا بانطباعات أكثر من جيدة بل تصل مستوى الإعجاب بشخصيته السودانية الطيبة البسيطة، لكنني على يقين بأنه ليس هو الرجل المناسب في المكان المناسب. الإقالة أو المطالبة بها، لا تعني أن متخذ القرار قرر قطع علاقته وسحب ثقته في من اتخذ القرار بخصوصه ولا تعني عداء من يطالبون بإقالة هذا الوزير أو ذلك الوالي له، وليس من المفترض فهمها بهذا المعنى.. فقط هي رؤيتهم ولهم تبريرات لمطالبهم تلك.. المهم أن لا تنتقصوا من حكمة القرار وحكمة الموقف ودرسه المستفاد، بحيث لا تنحصر فائدة التجربة في من يتم اتخاذ القرار ضده فقط، بل تكون تلك السياسة محفزاً تحذيرياً للآخرين بأن الكراسي التي يجلسون عليها تقتضي جدارة الجلوس فيها درجة عالية من الاستعداد النفسي والأخلاقي والوطني لملئها.. وأن من يشعر بالإرهاق الشديد ويشعر بأن ما قدمه هو غاية ما يستطيع تقديمه فليتقدم باستقالته فوراً.. استقالة ستكون نبيلة ومحفوظة في القلوب ولها معناها. جنة الشوك - صحيفة اليوم التالي