السهم الدامر والهلال كريمة حبايب في إفتتاح المرحلة الأخيرة من الدوري العام    د. إبراهيم الصديق علي يكتب: من خلال تسريبات (الجزيرة) : حكومة إدريس وعقدة الاسلاميين    شاهد بالصورة والفيديو.. تيكتوكر سودانية تثير ضجة غير مسبوقة: (بحب الأولاد الطاعمين "الحلوات" وخوتهم أفضل من خوة النسوان)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تظهر بدون "مكياج" وتغمز بعينها في مقطع طريف مع عازفها "كريستوفر" داخل أستوديو بالقاهرة    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد بالفيديو.. (يووووه ايه ده) فنان سوداني ينفعل غضباً بسبب تصرف إدارة صالة أفراح بقطر ويوقف الحفل    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناوات سودانيات يشعلن حفل "جرتق" بلوغر معروف بعد ظهورهن بأزياء مثيرة للجدل    "الجيش السوداني يصد هجومًا لمتمردي الحركة الشعبية في الدشول ويستولي على أسلحة ودبابات"    يبدو كالوحش.. أرنولد يبهر الجميع في ريال مدريد    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    ايران تطاطىء الرأس بصورة مهينة وتتلقى الضربات من اسرائيل بلا رد    غوغل تطلب من ملياري مستخدم تغيير كلمة مرور جيميل الآن    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    خطأ شائع أثناء الاستحمام قد يهدد حياتك    خدعة بسيطة للنوم السريع… والسر في القدم    وجوه جديدة..تسريبات عن التشكيل الوزاري الجديد في الحكومة السودانية    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    (برقو ومن غيرك يابرقو)    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    كامل إدريس يدعو أساتذة الجامعات للاسهام في نهضة البلاد وتنميتها    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    أردوغان: الهجوم الإسرائيلي على إيران له أهداف خبيثة    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجليات: "محاكم الغربان ... وذكاءها الخارق في تطبيق العدالة!"
نشر في النيلين يوم 30 - 04 - 2014

كنت في رحلة عمل إلى مدينة شماليّ سويسرا بدعوة من النيابة العامة. يا لها من مدينة ساحرة بجمالها المتجلي في خضرتها السندسية إذ تطل عليها جبال الألب بجليدها السرمدي من عل. دعيت إلى قضية تخص صبيا عربي صار مع مرور الزمن ومع صحبة السوء من الأحداث؛ غدا يرتكب الجنح ولا يأبه بقول والديه في اتباع السراط المستقيم. فبينما أنا جالس في غرفة الانتظار قلت في نفسي، تصفح صحيفة اليوم حتى انطلاق موعد الجلسة. وكان كذلك، سبحت بين صفحات جرنال (سان قالن اليومي) قارئا هائما بين دفتيه وإذا بعينيّ تقع على موضوع شحذ فضولي واستثار دهشتي، فهو يخص عالم أمريكي من أصول بولندية ألمانية، يدعى بيرند هاينرش، هجر المدينة وصار يعيش مع أسرته بعيدا عن الحضارة في غابة موحشة لغرض واحد: دراسة عالم الغربان الغريب وفحص ذكاءها المتوقد وحيواتها الاجتماعية المعقدة. تذكرت حينها قصة هابيل وقابيل بسورة المائدة، وكما نعلم أنه في سياق آي هذه السورة ورد ذكر الغراب وذكائه المتوقد: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{27} لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ{28} إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ{29} فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ{30} فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ {31}) (سورة المائدة).
من حِكَم المولى عز وجل في كتابه الكريم أن يرسل طائرا يؤدي دورا تعليما للإنسان، وهو الذي برأه وأحسن خلقه كخير البريّة. كان دور الغراب في هذه الآيات تعليم ابن آدم، الذي قتل أخيه، كيف يواري جثته تحت الثرى. والسؤال الذي يطرح نفسه ها هنا: لماذا اختار الله تعالى الغراب من دون المخلوقات أو قل الطيور أو الحيوانات الأخرى؟ أمر عجيب فعلا. ذلك يؤكد، ومنذ 14 قرنا، عظمة كتاب الله وما تنطوي عليه من درر كامنة وحكم جليّة بين دفتيه. لقد صرنا يا سادتي وبكل أسف نحمل هذا الكتاب العظيم ولا ندري تلك الدرر التعليمية التي يحملها في طياته. أصرنا كالحمير نحمل أسفارا أي كتبا ولا نعي قيمتها؟ وكما جاء في قوله تعالى: (الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). أو كقول الشاعر في تناصه مع الآية الكريمة:
إن الرواة على جهل بما حملوا مثل الجمال عليها يحمل الودع
لا الودع ينفعه حمل الجمال له ولا الجمال بحمل الودع تنتفع
الجدير بالذكر أننا نجد تلك القصة أيضا في تواره العهد القديم. قابيل وهابيل هما شخصيتان ذكرتا في توراة العهد القديم، وهما أول ابنين لآدم وحواء. كان قابيل يحرث الأرض أما هابيل فكان يرعى الغنم، وفي يوم من الأيام قررا أن يعبدا الله بالصلاة التي كانت تترجم وقتذاك بتقديم القرابين وحرقها. وكلمة "صلاة" في حد ذاتها مشتقة من المصدر "الصَّلَى"، التي تعني "النار والوقود" وكان ذلك عرفا في العهود الغابرة في طرق حرق القرابين المقدمة للآلة وللأرباب. وفي التوراة نجد الكثير عن قصة الصلاة وعن تقديم القرابين وعن قتل قابيل لأخيه هابيل كما يلي: "وحدث من بعد أيام، أن قابيل قدم من ثمار الأرض قرباناً للرب. وقدم هابيل أيضاً من ابكار غنمه ومن سمانِها. فنظر الرب إلى هابيل وقربانه، ولكن إلى قابيل وقربانه لم ينظر. فأغتاظ قابيل جداً، وسقط وجهه. ولم ينظر الرب إلى قربان قابيل لأنه كان مخالفا لما كان يتطلبه وهو الذبيحة الدموية أما هابيل فقد فعل. يقول الكتاب: بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل من قابيل. فبه شُهِد له أنّه بارٌ إذ شهِد الله لقرابينه. حيث قابيل ادعى إيمانه بالرب ولكنه لم يفعل. لم يقبل الرب قربان قابيل فأغتاظ قابيل جداً وسقط وجهه. فقام على أخيه هابيل في الحقل وقتله، فقال الرب قايين أين هابيل أخوك؟ فقال لا أعلم؛ أحارس أنا لأخي. فقال: ماذا فعلت؟ صوت دم أخيك صارخ من الأرض. فالآن، ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك. متى عملْت الأرض لا تعود تعطيك قوتها. تائهاً وهارباً تكون في الأرض."
لقد أوضح الدكتور زغلول النجار في كتابه ("من آيات الإعجاز العلمي؛ الحيوانات في القرآن الكريم"). أن مملكة الغرابان مملكة لها قوانينها الدقيقة ومنها الرادعة، انطلاقا من مساطر العدالة الفطرية التي وضعها الله في كتابه الكريم. وليس بمحض الصدفة أن جعل الله الغراب بطلا في الآية أعلاه! أراد سبحانه وتعالى ها هنا أن يؤدب الانسان، خير المخلوقات، ويهديه إلى سبل السلوك القويم سيما في جريمة ارتكبها أخ تجاه أخيه! وقد تطرق الدكتور زغلول في دفات كتابه لذلك وكما أثبتت دراسات عديدة عن سلوك الحيوان في علم الأحياء أن الغربان - من دون الطيور الأخرى – تمتلك أكبر حجم لنصفي دماغ مقارنة بنسبة حجم الجسم عند الطيور الأخرى. وقد أثبت علماء الأحياء أن الغراب هو، بدون أدنى شك، أذكى الطيور وأدهاها على الاطلاق. وتحدث د. زغلول عن محاكم الغربان التي تقاضي فيها الجماعة أفرادها من الغربان على جنح وجرائم ارتكبوها. وكل جريمة أو جنحة لها في مملكة الغربان عقوبتها الخاصة بها! فجريمة عقوبة اغتصاب واستلاب طعام الفراخ الصغيرة تقتضي أن تقوم الجماعة بنتف ريش الغراب المعتدي حتى يصبح عاجزا تماما عن الطيران، فيصير بعدها، كتلك الفراخ التي استلبها قوتها قبل أن تنمو وتصبح قادرة على الطيران. ومن الأشياء الطريفة في مدينتنا هنا أن لكل زوج (ذكر وأنثى) من الغربان منطقة مختصة به (كالمملكة) يحكمان فيها سويا حتى الممات كما ويبقيان على العهد طيلة العمر بعد الاقتران. ذلك يذكرنا بحدود القطط، برية كانت أم أليفة، والتي تدافع عنها بجسارة فإما تربح وتبقى بها وإما تخسر وتتقهقر لقط آخر يستلم المكان من بعدها. إذ يعلّمون حدود ملكية الأرض ببولهم كما نعلم. ومن طرائف الغربان - في مدينة كونستانس الساحرة والتي ترقد على بحيرتها كالهمزة على سطرها - أنها مثلا تحمل ثمار الجوز التي هي أشبه في بنيتها القوية بثمار أشجار التبلدي (القونقوليز) إذ أن هذه الثمرة تكمن في داخل القشرة القوية. فتطير الغربان محلقة بها فوق شوارع الأسفلت وترمي بها حتى تنكسر فتنهم الثمرة التي بداخلها. وهذه مناظر معهودة في الريف الأوربي.
وبالرجوع إلى محاكم الغربان نجدها جديرة بالتمعن والدراسة فعقوبة جريمة اغتصاب العش وهدمه، كما جاء في كتاب د. زغلول، تكتفي محكمة الغربان بإلزام المعتدي أو الجاني بأن يشيد عشا جديدا للغراب المجني أو المعتدى عليه. ومن ثمة جرائم اغتصاب إناث الآخرين تقتضي بقتل المغتصب ضربا بالمناقير حتى النهاية. تتألف محاكم الغربان في الحقول الزراعية، وهنا في مدينتا على ضفاف البحيرة الساحرة، توجد مناطق تتجمع فيها الغربان بشكل مذهل وكأنها قبيل غروب الشمس تعقد محاكمها هذه. فعندما تجتمع هيئة المحكمة في تلك الحقول يؤتى بالغراب المتهم تحت حراسة مشددة وتبدأ محاكمته فيكنس رأسه كما هي الحال في محاكم بني آدم ومن ثمة يخفض جناحيه مستكينا ويكف عن النعيق اعترافا بذنبه. فإذا صدر حكم هيئة المحكمة عليه بالإعدام، يتم تطبيق الحكم على الفور، ساعتئذ تنتفض الجماعة بأسرها على المذنب وتوسعه ضربا مبرحا بمناقيرها الحادة حتى الموت وبعدئذ يتم حمله من قبل أحد الغربان ليدفن في قبر أو حفرة بحجم جسده فيوضع داخلها القتيل ومن ثمة تهيل الجماعة عليه التراب احتراما لحرمة الموت. ولله في خلقه شؤون!
تجليات:
"محاكم الغربان ... وذكاءها الخارق في تطبيق العدالة!"
بقلم: د. محمد بدوي مصطفى
[email protected]
(صحيفة الخرطوم)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.