لم يُثِر الفضاء الإلكتروني في الفترة الماضية مثلما فعل الرسم الكاريكاتوري الفريد الذي يوضح الصورة التي تعودنا على رؤيتها في وسائل الإعلام. يظهر في الكاريكاتير أحد جنود داعش يلوح بسيفه إلى أجنبي ويهدده بأن يعتنق الإسلام أو سوف يموت، فيرد عليه المكبّل وهو راسف في أغلاله :"أدخل الإسلام أنت أولًا". وهذا الرسم وإن كان مختصرًا بعبارات قليلة إلّا أنّه يعبّر بكثير من البلاغة عما يأتي به تنظيم داعش من فظائع. ولا يسعنا هنا إلّا أن نستلف قول الروائي السوداني الطيب صالح الذي كتب عند مجيء الإنقاذ"من أين جاء هؤلاء الناس، بل من هؤلاء الناس". وما نراه هو عينه ما تساءل عنه الطيب صالح من قبل "السماء لاتزال صافية فوق أرض السودان أم أنّهم حجبوها بالأكاذيب؟. وتنظيم داعش لا يحجب سماء العراق والشام بالأكاذيب فحسب، وإنما يثري بالسلب والابتزاز والاتجار بالنساء والأطفال والسطو على حقول النفط في المناطق التي يُحكمون عليها سيطرتهم. وما الساعة التي ظهر بها خليفة داعش أبوبكر البغدادي، التي لفتت الأنظار لفخامتها إلّا رمز لرفاهية رجال ينادون ببيع الدنيا كلها من أجل الآخرة. وليس هذا وحده وإنّما يسيطر التنظيم بالقهر وينفذ أحكامًا وشرائع يتواضع دونها حمورابي، وليس آخرها جرائمه بنحر امرأة في محافظة نينوى الأسبوع الماضي بحجة أنها كانت تعمل في مجال تفتيش النساء جنوبي الموصل. وليس كذلك في الرجوع لقهر الفراعنة باستجلاب عادتهم الذميمة المتمثلة في الختان الفرعوني ودعوتهم لفرضه على جميع النساء تحت إمرتهم. أما من ناحية نفسية فيمكن وبسهولة لمس هوس أعضاء هذا التنظيم بالتاريخ المظلم واستجلابه من عهود سحيقة وكأنهم يعانون عقدة ظلم أو قهر ما. وهذا يتضح في مظهرهم العام ومخاطبتهم ما يطلقون عليهم الرعايا في دولتهم المزعومة. أما الزي الذي يرتدونه فهو أقرب لزي التتار، فقد ظهر أبوبكر البغدادي بلباس أسود على طريقة هولاكو أشهر أحفاد جنكيز خان. وربما تكون قد تلبسته روح هولاكو الذي قضى على الخلافة العباسية في بغداد عام 1258م، واجتاحت جيوشه بلاد الشام حتى رُدَّت على أعقابها في معركة عين جالوت عام 1260م. أما ردة دولة التنظيم إلى عصور الجهل والظلام، فتتبدى بمنعها تدريس الكيمياء والفلسفة بحجة عدم اعتماد المادتين على الله، أما الرياضيات فدعوا إلى حذف كل الأمثلة ذات الشبهة الربوية في فقههم الجديد. ومن مادة العلوم تم حذف كل ما يتعلق بنظرية داروين أو رد الخلق للطبيعة أو الخلق من عدم، والتأكد من رد كل الخلق لله سبحانه وتعالى. وإزالة أي عبارة لها علاقة بالثورة أو الديمقراطية أو الانتخاب أو الوطنية أو القومية من المناهج الدراسية بحجة أنّ الانتماء مفترض أن يكون للدولة الإسلامية أو ولاية الشام. كما وعد التنظيم في تعليماته أنّ المناهج الحالية ستخضع لمعالجة مختصين بديوان التربية للتعديل اللازم ووعدوا بتقديم رواتب مجزية للمعلمين شريطة أن يعملوا بمنهج داعش التربوي. وتضمن التعميم تعليمات شطب جملة الجمهورية العربية السورية من أي مطبوعة، واستبدالها بالدولة الإسلامية، إضافة إلى طمس جميع الصور التي لا توافق الشريعة الإسلامية وحذف النشيد العربي السوري. ويمكننا الاستشهاد بالعودة إلى القرن الرابع الهجري، إلى ذلك الزمان الذي صوّر فيه أبو الطيب المتنبي الحياة بتناقضاتها ساخرًا وهاجيًا كافور الإخشيدي بعد أن يئس من أن ينال منه بغيته والعطايا والمقام الذي صوره لنفسه فغادر مصر. وفي رحاله غير المستقر ذاك عكس كثيرًا من التناقضات في المجتمعات العربية المحيطة به، وذلك نتيجة ما شهده في نشأته من تفكك الدولة العباسية والتوتر والصراع الذي عاشه العرب والمسلمون في ذلك الوقت. وقد جاءت أبيات السخرية التي قال فيها: وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحكٌ كالبكا إنّ حجم التناقضات في ذلك العصر هو الذي دعا المتنبي إلى سخريته التي اشتهر بها، ومازال الوضع في الوطن العربي يحتاج لأكثر من "متنبي" حتى يستخرج المضحك المبكي، أو يجيب عن التساؤل المقيم:"من أين أتى هؤلاء"؟ الكاتبة : منى عبد الفتاح