:: بعد تمكين العدل في المجتمع، وبعد أن عمً الخير لحد البحث عن السائل والمحروم المستحق للزكاة، قال الخليفة عمر بن عبد العزيز للزُراع : ( أنثروا القمح على رؤوس الجبال)..وكانت ثلوج الشتاء تغطي قمم الجبال في تركيا، وإمتثل الزُراع هناك لأمر عُمر ونثروا القمح على قمم الجبال.. ولاتزال - إلى يومنا هذا - وصية عمر سارية في بعض وديان وسهول تركيا، إذ صارت عادة تركية أن ينثر المزارع حبات القمح على بعض قمم الجبال في موسم الحصاد..!! :: وعُمر - بأمره ذاك - لم يكن يتحسب فقط لحاجة الطيور إلى الحياة رغم أن هذا كان من جوهر العدل في (نهج حكمه)..ولكن - بالأمر ذاته - تحسب عُمر أيضاً لشكل الدولة وسلامة مظهرها أمام الآخرين..(أنثروا القمح على رؤوس الجبال)، لماذا؟..فالإجابة هنا كما أكمل بها عمر ذاك الأمر : ( حتى لايُقال جاع طير في بلاد المسلمين).. نعم، ( حتى لايٌقال)..وهذا هو معنى أن يكون نظام الحُكم حريصاً على نقاء شكل ومظهر الدولة في نفوس وعيون الآخرين دون أن ينتقص هذا من حرصه على نقاء جوهر الحكم في نفوس وعيون (أهل الدولة)..!! :: والمهم.. بالتأكيد أهل السودان ليسوا بحاجة لمن يشرح لهم حال بلادهم وتفاصيل أحداثها و أزماتها، فالحال يُغني عن (الشرح والسؤال) ..ومع ذلك، كما تفعل كل الأنظمة ذات الأجهزة والمؤسسات الواعية، كنا نأمل أن تقدم الحكومة للعالم دولة غير تلك المتداولة - بالسخرية والإستهزاء - في وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية منذ لحظة وقوع (حادثة القصر الرئاسي)، كآخر نموذج يعكس بأن إعلام الدولة لايعمل بنهج ( حتى لايُقال)..للأسف، من تحدثوا - باسم الدولة السودانية - لم يتحسبوا لما يُمكن أن يحدثه حديثه في ( شكل السودان)..!! :: وكان مؤلماً على النفس مشهدا فيه إبتسمت المذيعة العربية وهي تُنسب حادثة القتل والرعب في القصر الرئاسي ل ( معتوه)، وإتسعت الإبتسامة الساخرة وهي تُشير إلى أن سلاح الإقتحام كان ( سيفاً).. وهي - فعلاً- مادة خبرية مُضحكة، ومثيرة للسخرية، وكذلك تُعيد العقول إلى عهد غردون باشا وما فعله سحر السيوف في هذا القصر الرئاسي و (من فيه ).. واليوم، سلاح إقتحام القصر الرئاسي بالسودان لم يتطور، فالسيف كان يحمله المعتوه حسب لسان إعلام الدولة، وكذلك وسائل الحماية في القصر الرئاسي - كما السلاح - لاتزال في محطة عهد غردون، أوهكذا تقريباً كان شكل البلد في مخيلة تلك (المذيعة العربية)..!! :: وعليه، بغض النظر عن جوهر الحال - المايل - بالداخل،ومع الآخذ في الإعتبار بأن هذه الحادثة لن تكون آخر أحداث السودان، يجب أن يكون لرئاسة الدولة - وليس للحزب الحاكم - من يعرف الكلام ويتحسب لشكل الدولة في كلامه بإتقان نهج ( حتى لايُقال)..نعم، أضعف الإيمان هو مخاطبة الرأي العام - الداخلي والخارجي - بوعي يتسق ويتجانس مع عصر العولمة والتكنلوجيا، وليس عصر السيوف..وعماد سيد أحمد - السكرتير الصحفي لرئاسة الجمهورية - طيب ومهذب ولكن لايصلح لغير أن يكون صحفياً بصحف الحزب الحاكم أوموظفاً بالعلاقات العامة للضرائب والأراضي وغيرها من المرافق التي ليست بقامة رئاسة (حكومة دولة)..!! :: نعم كلهم يتشابهون في سوء التقدير للأمور، والحمد لله على كل حال.. ومع ذلك، رحمة بالبلد بحيث لاتبدو في عقول الأجانب وكأنها (غابة من الأنعام)، اودعوا في القصر الرئاسي عاقلاً ينطق بما يُطاق في مثل هذه المواقف .. فالمستشار الإعلامي لرئاسة حكومة بلد - في أي بلد - يختلف عن المُهرجين باسماء الأحزاب والجماعات في وسائل الإعلام..يجب أن يكون هذا المستشار دبلوماسياً في (الخطاب السياسي) ومهنياً في (الخطاب الإعلامي)، ويقول ما يستوعبه العقل حتى ولو كان مختلفاً معه في الرأي..وقائمة الدبلوماسيين بالخارجية تضج بمن يصلحون لهذا ( المنصب المهم).. ولكن، من يُنقب ويبحث في تلك القائمة - عن هذا الذي يصلح - في سبيل ( حتى لا يُقال)، ويُجنب به البلد ( ما يٌقال) .؟..الله أعلم، فالحب العام للسلطة والثروة، وليس للبلد ..!! الطاهر ساتي إليكم - صحيفة السوداني [email protected]