* يبدو أن المطيع في وادٍ والحجاج في وادٍ آخر.! عبارة همهمت بها حابساً ضجري، و(الحاج عثمان) من قطاع الجزيرة يشكو لي أثناء أداء مناسك حج هذا العام سوء وتقليص الوجبات والحيرة ترتسم لوحة دامية على قسمات وجهه، وكل ما كان باستطاعتي فعله ل(عم عثمان) وقتها محاولة إيصال صوته المخنوق بعبرات الأسى للرأي العام إن كان هناك مسؤولا يسمع ويراقب أو مديرا يتحرك ويتابع أو وزيرا ينتفض ويحاسب، وبالطبع ليست لدي إجابة عن سؤال الحاج المكلوم الذي قال لي بنقاء روحي تنهمر له الدموع وتنفطر عند سماعه الأفئدة: (الناس ديل بسووا فينا كدا ليه؟.. الواحد سمع صوت بطنو من الجوع .. نحنا جينا لحاجة غلط ما جينا قاصدين بيت الله ورمينا كل حاجة ورانا وصفينا نيتنا) .!! * ويا ليت (مطيع) لو كان مع الحجاج في وادٍ واحدٍ، صيغة مختلفة لذات المعنى والعبارة التي بدأت بها همهماتي لحظة وقوفي أمام (حاج عثمان) الذي وجدته بمكة المكرمة مستنداً إلى حائط بالقرب من مسجد ليس ببعيد عن الحرم، ولم أسأله عن وجهته وإن كنت أدرك أن الفضول يكاد يأكل أطرافكم لمعرفة (من هو مطيع الذي كررت اسمه مرتين؟)، والإجابة لمن لم يقرأوا تصريحات الرجل فهو مطيع محمد أحمد، مدير الإدارة العامة للحج والعمرة، الذي قال لوسائل الإعلام قبل الحج إن كل الترتيبات تمضي على (أكمل وجه)، لتمد الوقائع لسان السخرية مؤكدة أن للتصريحات ألف لسان وقناع بينما لا يمكن أن يكون للحقيقة (أكثر من وجه) .!! * عانى الحجاج الأمرين و(راعي الضأن في الخلا) يعرف حقيقة تلك المعاناة و(التجويع) الذي حدث لزوار بيت الله الحرام رغم الأموال الطائلة التي دفعوها.. ارتفعت الأصوات المطالبة بمحاسبة إدارة الحج والعمرة تحت قبة البرلمان وعلى صفحات الصحف ثم - كعادتنا دائماً - انخفض الإيقاع وتجددت الأحداث فنسي الناس الأمر إلى حين الاستيقاظ العام القادم على سيناريو مهزلة إخفاق وتجويع جديد . * لم يكتف مدير إدارة الحج والعمرة المتشبث بتلابيب المنصب و(ما يتمتع به من خواص ومميزات) بالصمت الذي تلى عاصفة المواجهة، وفعل ما لا يخطر على عقل وهو يسعى في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية لتكذيب حقائق ثابتة ومعروفة دون أن يرتجف له جفن . * عندما سمعت مدير إدارة الحج والعمرة يلوي عنق الحقائق بطريقة مقززة في برنامج (نادي الاعترافات) الذي يقدمه عبر شاشة قناة أم درمان الفضائية الزميل الحبيب عادل سيد أحمد، لم أجد ما استهل به حديثي لكاميرا البرنامج سوى المطالبة بتكريم الرجل باعتباره شخصية استثنائية يندر أن تجد لها مثيلا.. طالبت بتكريم المطيع مدير إدارة الحج والعمرة لأن من هو في (موقع إخفاقاته) يصعب عليه الخروج من المنزل خشية مقابلة الناس في الطرقات، فكيف لا نمنح وساماً رفيعاً لرجل بعد كل الذي حدث للحجاج لا يزال يملك وجهاً يطل به على الناس في وسائل الإعلام ولساناً يجادل به دون وجه حق، مع أنه للأسف يجلس على كرسي إدارة فقدت عند الناس الثقة والاحترام . * من حق المطيع أن (يتبجح) في وسائل الإعلام و(يتبختر) في الطرقات طالما أنه بعد كل الذي حدث من إذلال لزوار بيت الله الحرام لا يزال مديراً لإدارة الحج والعمرة، فلا هو ممن يعترفون بالفشل والتقصير ويتقدمون بالاستقالة، ولا وزير الأوقاف والإرشاد الذي تتبع الإدارة له قادر على محاسبة الرجل ورد اعتبار الحجاج بإصدار قرار إقالة . * ثمة أسئلة نازفة قلناها من قبل وظلت تتكرر عاماً تلو الآخر: (ألا يخشى هؤلاء من غضب المولى سبحانه وتعالى ودعوات أناس مظلومين مقهورين قصدوا حج بيت الله الحرام فضاعت حقوقهم ومن قبلها التقدير والاحترام؟؟.. ألا يوجد مسؤول يحاسب أم أن إدارة الحج والوزارة والقائمين على البعثات من حقهم أن يفعلوا ما يحلو لهم؟.. يشكو الحجاج في كل عام وإن لم يستفد مدمنو الفشل والإخفاق من الدروس أفما آن للخجل أن يبلل الرؤوس).؟ * غياب المحاسبة في كل أجهزة الدولة يغري بمزيد من التجاوزات والانتكاسات، فالأزمة ليست في إدارة الحج والعمرة وحدها، لذا (لا تحلموا ب((حج)) سعيد فبعد كل ((مطيع)) يفوت ((مطيع)) جديد! . أنفاس متقطعة: * نشرنا عبر هذه المساحة رسالة ساخنة لدكتور أحمد التيجاني (ذلكم الشخص الذي كلفه الوزير بكتابة تقرير عن مشاكل الحج) فنقل الحقائق المؤسفة بوضوح وشهد بقصور إدارة الحج والعمرة (ولكن السؤال ما هو مصير التقرير يا سعادة الوزير)..؟؟ * احترمت د. أحمد التيجاني الذي كتب في رسالته إلينا أنه اعتذر للوزير عن الذهاب للحج هذا العام ضمن البعثة الرسمية (بصفة مستشار) لأن التقرير الذي كتبه لم ينفذ فيه شيئاً وظل حبيس الأدراج لتتكرر من جديد معاناة الحجاج . * لماذا يتدثر وزير الأوقاف والإرشاد الفاتح تاج السر بعباءة الصمت، ويسكت عن المهازل التي حدثت للحجاج وهو الوزير المسؤول.؟؟ * نلوم وزراء المؤتمر الوطني دائماً على قراراتهم الخاطئة، ولكننا يا عزيزي الفاتح لا نفعل ذلك مع الوزراء المنتمين لأحزاب مشاركة، لأن معظمكم لا يملك من (الأصل) الجرأة على اتخاذ قرارات بغض النظر عن العواقب الوخيمة وسوء التقديرات . نفس أخير.. * لن نمل الكتابة حتى تشرق شمس المحاسبة!! . ضد التيار - صحيفة اليوم التالي