*ثانويتنا العامة - بحلفا - كان يحفها شجر (العوير) من كل جانب.. *كان - في نظري - أجمل (سور) لأجمل لمدرسة.. *ولكنه يبقى في نظر كثير من الناس هو (العوير!).. *و(العوير) صفة لا تُطلق إلا على كل ما هو غير جيد أو حسن أو جميل.. *وقبل فترة هاتفني من حلفا من يقول أن مدرستنا تلك صارت عارية من سياج (العوير).. *فسألته إن كان يعني أنها أضحت جميلة فأجاب قائلاً : (بل قبيحة جداً).. *وفتاة (جميلة) جداً في حيّنا كانت تُنعت بأنها (عويرة) انتقاصاً من جمالها هذا.. *وآخرون يقولون عنها (سمحة لمن عويرة !).. *وحين قبلت الاقتران بيعقوب - أستاذ الابتدائي- قال سكان الحي (لولا عوارتها هذه لكان تزوجها أستاذ جامعي!).. *وبعد عامين كان يُضرب المثل بالزواج هذا في السعادة و الهناء والاستقرار .. *ولم تكن - من بين نساء الحي كلهن - من تبدو أكثر من عويرتنا هذه (شبعاً عاطفياً!!).. *وبطل رواية (عرس الزين) هو الذي كان يحبه شيخ الحنين ويناديه (المبروك) عوضاً عن العوير التي كانت على لسان أهل البلدة أجمعين عدا واحدة.. *والواحدة هذه كانت نوارة بنات البلدة بأصلها وحُسنها و(تعليمها).. *ثم لم تكن (النوارة) هذه من نصيب أحد من فتيان القرية سوى الزين (العوير!) .. *و(عوير) حينا - الذي أشرت إليه من قبل - كان يصيح بمفردة (عوير) كلما ورد ذكر مسؤول أجنبي تقدم باستقالته لأسباب تتعلق ب(التقصير) خلال مناسبة اجتماعية.. *وعندما انتبهنا إلى (المغزى!) الذي جعل عويرنا يصيح بالذي يوصم به تساءلنا إن كنا نحن (العُوَرة) أم هو.. *فالأسباب التي دفعت من ذكرناهم- من مسؤولين- إلى تقديم استقالاتهم هي قياساً لما هو (عندنا) لا تستحق محض شعور ب(الحياء!).. *ورئيس سوداني سابق كان يوصف بأنه (عوير) استطاع أن يلعب بمكونات واقعنا السياسي كما يلعب الساحر ب(البيضة والحجر).. *فهو (ضرب) اليسار باليمين، ثم اليمين باليسار، ثم بعضاً من كل أولئك بالبعض الآخر.. *الجانب الوحيد ذو (العوارة) الذي يمكن أن يُؤخذ على رئيسنا المذكور تجاهله لمُكون أساسي - غير متحزب - هو الذي أشعل شرارة الانتفاضة.. *ووحيد القرن الذي يُنعت بالعوارة ثبت الآن أن عوارته هذه هي التي يعمل لها ألف حساب ملك الغابة ليحجم - من ثم - عن مهاجمته حتى وهو نائم.. *والأديب المصري توفيق الحكيم كتب مؤلفاً عن الحمار ليُثبت أن الحيوان الذي يُضرب به المثل في التخلف ليس غبياً ولا(عويراً) ولا متخلفاً.. *ومن مفردة (عوير) نتعلم - إذاً - معانٍ هي على النقيض تماماً لما يوحي به ظاهرها.. *ويكفي أن حمار سيد اللبن - مثلاً - يعرف (سكته!) بعد مشوارين أو ثلاثة فقط.. *ولكن مِن معارضينا مَن لا يعرفون سكتهم- إلى الآن- رغم مشاوير (25) عاماً.. *فإليك كامل احترامي أيها (الحمار !!!). بالمنطق - صلاح الدين عووضة صحيفة الصيحة